التدين الكاذب
اشتكى لي بعض زملائي من مدرسة ما يصفون معلميها بالغطرسة والكبر والفوقية واللا مبالاة قررت في نفسي أن أخوض هذه التجربة وأقوم بالإشراف عليه لتكون لي إضافة في سجل الخبرات والقدرة على التعامل مع المواقف المختلفة خاصة وأنني أتبنى فهما مزعجا وهو التعامل مع أي مشكلة على أنها خبرة جديدة وفرصة للتعرف على جوانب القصور والنقص في شخصيتي أقصد جوانب العفو والتسامح وضبط النفس والتجاوز عن الغير والكثير من القيم العظيمة التي قد نظن أننا نملكها ونتصف بها فتكشف لنا المواقف أنها غائبة وغادرت نفوسنا منذ زمن
التقيت بالمعلمين قرأت في عيونهم عدم الترحيب بقدومي في حين كانت ألسنتهم تتحدث عن سعادتهم بي وبحضوري قام بعضهم يرسل إلي رسائل مبطنة أن معلمي هذه المدرسة مجموعة من العمالقة بل أكثرهم يحفظ كتاب الله عز وجل بل يعد بعضهم وجيها في مجتمعه ...فهمت الرسالة جيدا قلت لصاحبها : كم أشكرك على هذا التوضيح فقد اختصر علي كثيرا من الوقت لكوني أقضي وقتا طويلا في تذكير المعلمين بأهمية الأمانة والالتزام بأخلاق أهل الإسلام والالتزام بمتطلبات العمل وشروطه وهذا الأمر لا أحتاجه هنا لكون من أخاطبهم من أهل الفضل والمكانة والتي يأبى صاحبها أن يضع نفسه في موضع تقصير ولوم ...قمت أتأمل وجوههم فرأيت فيها تحفزا وترقب ...أنهيت الاجتماع ودعوت لهم بالتوفيق , طلبت من مدير المدرسة أن أطلع على أعمال المعلمين الكتابية فقام فأرسل إليهم فلم يجبه سوى معلمين من سبعة معلمين قام المدير يعتذر عن التقصير وأكد أن معلميه مجموعة من المشايخ والفضلاء وأنهم من أهل الفضل في المجتمع ومن ذوي المكانة والقدر...قلت له : لا مشكلة لعل المرة القادمة تكون الفرصة مهيأة أكثر لمشاهدة أعمال المعلمين , غادرت المدرسة وقد أدركت أنني أمام مشكلة كبيرة تكمن باختصار في ( القدسية ) التي ينتفع بها بعض الدخلاء على التدين الصادق والالتزام الرفيع ولذا بدأت أفكر في حيلة في نزع هذه القدسية عنهم خاصة من المحيطين بهم ...قمت بزيارة المدرسة في يوم آخر وكررت طلبي بالوقوف على أعمالهم فجاءت أعمال الاثنين السابقين وغابت أعمال الخمسة للمرة الثانية كرر المدير اعتذاره مرة أخرى عن هؤلاء المشايخ طلبت الاجتماع معهم حاول المدير تأجيل الاجتماع للزيارة القادمة لكني أكدت له أن اللقاء سيكون وديا لطيفا ...لم تستطع كلماتي أن ترفع القلق من نفس مدير المدرسة ....جاء المعلمون للاجتماع وكل خطوة من خطواتهم تحمل في طياتها أطنانا من الكبر والغطرسة المغلفة بالتدين الكاذب ...رحبت بهم ودار بيني وبينهم نقاش حول ما يمكن عمله تجاه هذه المشكلة ...لم أر منهم حماسا أو ميلا تجاه التغيير أو الاستقامة بل رأيت ثناء بعضهم على بعض وتسابق الواحد على أن يلبس الآخر بلباس الشيخ صاحب المكانة والمهابة...لم يزعزني مكرهم وتبادل ألقاب الخداع بينهم...بدأت في تنفيذ خطتي وذلك بنزع القدسية عنهم فقمت أناديهم بلقب أستاذ دون شيخ وبدأت أتعامل معهم بصيغة لا تخلو من تلطف ممزوج بحزم لكنني اكتشفت أن قوتهم في اجتماعهم وأنه لا سبيل لتصحيح مسارهم إلا بالتعامل معهم فردا فردا ... ومن هنا بدأت في رسم استراتيجية خاصة للتعامل معهم أقصد الخمسة لكون الاثنين الباقيين تسير أمورهم بصورة جيدة ...شاورت أحد المشرفين ممن يسكن بجوارهم فقال : مشكلة هؤلاء أن لهم تقديرا في المجتمع مع كثرة تفريطهم وتقصيرهم في عملهم وهذا الذي يجعل من يزورهم من المشرفين يقدم لهم التقدير الكبير والاحترام العظيم ...قال : وإنني متفائل بك في مساعدتهم على تغيير حالهم خاصة وأنك لا تعيش معهم ولست من بيئتهم ولن يصلك كلامهم عنك بعكسي أنا لو تعرضت لهم لشنعوا علي عند القريب والبعيد فهم لا يتورعون عن شيء...زاد تحمسي للموضوع وأيقنت أنني أمام تجربة عالية الخبرة لا بد من خوضها والاستفادة منها .
للحديث بقية