عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-2009, 05:08 AM   #35
مسفر ناصر
 
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 18
مسفر ناصر is on a distinguished road
افتراضي رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )

القيم الغائبة

قابلني بابتسامة لا تخلو من توتر رحبت به وجاذبته من أطراف الحديث مايكفي لزوال توتره , أعجبني هدوئه , طلب مني زيارته في الفصل للوقوف على طلابه , زرته فوجدت طلابه على مستوى عال من التمكن بل قد لا أكون مبالغا لو قلت إنه من أفضل مارأيت من طلاب تمكنا من مهارات القراءة والفهم شكرته أمام طلابه فقرأت في عينيه الفرح والشعور بالتفوق والتميز وقمت أتأمله وهو يسترق النظرات إلى طلابه ليرى أثر ثنائي عليه في نفوسهم , خرجت معه وكررت شكري له أمام مدير المدرسة فوجدته لا يستطيع أن يكتم السعادة التي تعلوه , انفردت به وتناقشنا سويا رغبة في مزيد من التميز , سألته عن تخصصه لا أدري لماذا اضطرب قال لي : لست متخصصا وذكر لي تخصصه البعيد عن التربية عموما والتدريس على وجه الخصوص , قلت : كم أنت من رائع !!هذا التميز ولست متخصصا كيف لو كنت متخصصا ؟ ثم ذكرت له أنه يفوق الكثير الكثير بل المئات من المتخصصين, قمت بزيارة المدرسة وكنت أقلب دفاتر التحضير دخل علي في الإدارة وسلم علي بحرارة وجلس بجانبي وبدأ معي حديثا عن طلابه وكيف استطاع أن يصل بهم إلى هذا المستوى , كنت أستمع إليه مشجعا له مواصلة الحديث إلا أنني لا حظت أنه ينظر بين حين وآخر إلى دفاتر التحضير أحسست أن ثمة شيء يخفيه , قمت أراقب لغة جسده فوجدت أنها تحكي لي شيئا آخر غير الذي ينطق به فمه , كان متوترا مترددا , أخيرا قرر البدء فيما كان يريد تنفيذه ..قام فسحب أحد الدفاتر وقام يقلب صفحاته كأنه يبحث عن شيء ..قال : انظر يا أستاذ كيف يخادعك فلان في دفتر تحضيره يحضر يوما ويترك يومين قلت : فلان زميلك قال : نعم قلت : أرجوك أرني أكثر , قام يبحث عن أخطاء أخرى لزميله وهو يرقب باب الإدارة خشية أن يراه أحد , قلت : لو كنت مكاني ماذا تفعل ؟ سكت قلت : خطرت لي فكرة أن أفضح هذا المعلم أمام الجميع في طابور الصباح غدا كما أنني لن أنسى تقديم الشكر لك أمام الجميع على مساهمتك الخيرة في كشف هذا المخادع , حملق في قائلا : أرجوك يا أستاذ لو فعلت ذلك ستحدث فتنة كبيرة, قلت : لكن ألا ترى أن هذا المعلم الذي منحته كامل ثقتي يستحق أكثر من ذلك ؟ قلت له : اترك الأمر لي , قال : أرجوك يا أستاذ لا تفسد بيننا , قلت : أقوم باستدعائه الآن لتوبيخه قال: يا أستاذ جعلتني أندم على فعلتي , قلت : قم اخرج الآن ولي معك حديث بعد الحصة الخامسة , رجع لي وفي وجهه من الضيق والتوجس والتوتر قلت له : هل وجدت حلا ؟ قال : نعم يا أستاذ اعتبر أن الموضوع لم يحدث , قلت بشرط أن تذكر لي لماذا فعلت هذا الموقف مع زميلك , وقبل ذلك أريد أن أسألك عن مستوى علاقتك بزميلك , قال : أروع مماتتصور إنه من أعز زملائي قلت : وهل تعتقد أنك حفظت له حق الزمالة والأخوة ؟ دعني أعود لسؤالي لماذا فعلت ذلك مع زميلك , طأطأ رأسه قلت : كيف ستنظر لزميلك لو كان هو الفاعل ؟ كيف تجرؤ أن تفتح دفتره وليس لك حق في ذلك ؟ أين قيمك وأنت تبحث عن سقطاته وعثراته لتكشفها للآخرين ؟ أين حق الصحبة والزمالة ؟ ماذا لو فعل ذلك طالب من طلابك مع زميله كيف ستنظر إليه ؟ ماذا تسمي هذا الفعل
القبيح في حق نفسك أولا قبل أن يكون في حق زميلك ؟ والأهم من ذلك كله لماذا أسأت الظن في بأنني يمكن أن أقبل هذا السلوك الشائن ؟ لماذا تصورت أنني يمكن أن أقبل أن تكون شوكة أطعن بها خاصرة زملائك ؟ كم يحز في نفسي أن هذا التميز في التدريس لديك يصاحبه غياب في قيم الفضيلة ومكارم الأخلاق وحقوق الأخوة !!! أرجوك أن تستغفر الله وتسعى في تطهير نفسك من الرغبة في الإيذاء والسعي في سقوط الآخرين وكشف عوارهم , شعرت أنه فهم الرسالة جيدا قبل أن أغادر قال : هل ستقول له يا أستاذ , قلت : لا لا الموضوع مخجل حقه أن يطوى .
هذا من المواقف التي تحزن وذلك عندما تجد أن من نضع أطفالنا لديه لينهلوا من قيمه ومبادئه وجمال السلوك لديه هو في نفسه في خلو من هذه القيم وبعد عنها , عندها كيف نلوم صغارنا وقد تعلمو الكثير من معلم متورم بالقبح والبشاعة .





التعديل الأخير تم بواسطة مسفر ناصر ; 03-09-2009 الساعة 06:08 AM سبب آخر: ا
مسفر ناصر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس