عرض مشاركة واحدة
قديم 26-10-2009, 09:15 PM   #12
عبدالرحيم سلطان
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: 29-09-2009
المشاركات: 11
معدل تقييم المستوى: 15
عبدالرحيم سلطان is on a distinguished road
افتراضي رد: (( قراءة تأملية في مقالات الأستاذ مسفر القحطاني ))

قراءة تأملية في مقالة " صديقي العزيز...الفشل"


عندما دعانا الأستاذ / مسفر لاتخاذ " الفشل" صديقاً عزيزاً في مقالته الماتعة لم يرد بذلك أن نتخذ " الفشل" صديقاً ملازماً طوال حياتنا , ولكنه أراد ببصيرته النافذة أن نتقبل الفشل كخطوة على الطريق , وعقبة لا يكاد يسلم منها أحد في طريق النجاح , وعندما تتكسر مجاديف قارب الهمة والعزيمة لدى الناس عند أول تجربة فاشلة فإن هذا يتسبب في تسرب المياه إلى قارب العزيمة مؤذناً بغرق صاحبه , ومن ثم تغلغل الخوف من تكرار التجربة لئلا يذوق طعم الفشل مرة أخرى , فأراد " أبو ناصر" أن يؤكد أنك إن أردت النجاح والإنجاز فلا بد أن تتقبل حدوث الفشل مرة أو أكثر كمحطة مر من خلالها الكثيرون من العباقرة والمبدعين , فلا تتوقف عندها بل تقبلها كحدث طبعي , وحاول تحليل أسباب هذا الفشل لتلافي أسبابه في المرة القادمة.



ثمة فائدة شرعية تعد محركاً فاعلاً , ومصلاً وقائياً, ضد الإحباط واليأس بعد أي إخفاق أو فشل , والتي تتمثل باستبطان الأجر الأخروي لدى أي محاولة أو عمل في طريق النجاح ,ومدخل ذلك عبر توسيع مفهوم العبادة وألا نقصرها عند أداء بعض الشعائر العظيمة كالصلاة والصيام والحج , وهذه من المفاهيم الخاطئة لدى قطاع من الناس ,والذين يعانون حالة من " الشيزوفرانيا" أو الانفصام بين الالتزام الوظيفي والإنجاز الإنساني والعلمي من جهة, وبين مفهوم العبادة من جهة أخرى التي اختزلوها في عدد من الشعائر العظيمة والتي تشكل أحد دعائم الإسلام ولكن مفهوم العبادة كما هو واضح من دلائل الكتاب والسنة يدفع لإطار أشمل , وفضاء أوسع , وأفق أكثر اتساعاً , ولنتأمل هذا الحديث على سبيل المثال :


عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا : (( يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله )) ؟


يلاحظ هنا أن الصحابة رضوان الله عليهم أرادوا أن يتم توظيف هذه الطاقة الجسدية في ذروة سنام الإسلام أو غيرها من الشعائر التعبدية المعروفة لدى الناس, فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً أن بوابة العبودية " في سبيل الله " تشمل كذلك أعمال أخرى قد لا تخطر لهم على بال , ولا تقتصر على بعض الشعائر الظاهرة كالصلاة والجهاد والحج....


فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهوفي سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله )) والحديث رواه الطبراني وصححه الألباني.


وهنا عندما يحتسب الموظف أو المعلم أو التربوي كل قطرة حبر يريقها أو ضربة أصبع على لوحة المفاتيح أو مشروع يقدمه أو نشرة يكتبها أو درس يلقيه أو قيمة يعلّمها , فستنقلب معايير الفشل الدنيوية إلى ربح دائم , ونجاح متواصل , وينتقل من مرحلة
" ضرب الأكف" عقب تجربة فاشلة إلى همة عالية نحو تحقيق المزاوجة المأمولة بين الاحتساب الشرعي والنجاح المهني , إنني أدرك أن كلامي هذا ربما اعتبره بعض من يقرأه كلاماً نظرياً أو مشروعاً حالماً , ولكن اتساع الهوة بين التنظير والواقع ينبغي أن يدفعنا لإحداث نوع من المقاربة , وتقليص الهوة وليس إلى تكييف القيّم والمعايير العلمية وفق واقعنا البائس.




لقد شكلت مقالة " صديقي العزيز...الفشل" كاسحة ألغام أبطلت الكثير من الألغام والقنابل المدفونة في أعماقنا , والتي ربما انفجرت عند أول تجربة فاشلة وتسببت " بتشظي" آمالنا وتمزقها على أعتابها , فاستحق الأستاذ " مسفر" وساماً تربوياً وإنسانياً من منظمات حقوق الإنسان لبناء الذات تقديراً لجهوده الرائعة في إبطال ألغام اليأس والإحباط التي زرعتها نظرتنا التشاؤمية على الحدود المتاخمة لمشاريعنا وآمالنا التي نترقب إنجازها وتحقيقها.


عبدالرحيم




__________________
"ونحن صغار كان شيخ الحارة يضربنا لنحفظ..ولما كبرنا صار الشرطي يضربنا لننسى..!"
محمدالماغوط
عبدالرحيم سلطان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس