عرض مشاركة واحدة
قديم 30-08-2009, 04:51 AM   #25
مسفر ناصر
 
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 17
مسفر ناصر is on a distinguished road
افتراضي رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )

بدأت في تطبيق استراتيجية فك التكتل وقمت بزيارتهم في فصولهم فوجدت أنهم يفتقدون أبجديات التدريس إذ كل مايفعله الواحد منهم أن يقرأ الآيات الكريمة ثم يطلب من الطلاب القراءة الواحد تلو الآخر في جو يفيض بالرتابة والملل , تأملت وجوه الطلاب فرأيت تململا وضيقا , قلت في نفسي هل يدرك هذا المعلم كم يجني على كتاب الله العظيم عندما يقدم درس القرآن وقد غابت عنه الحيوية والنشاط والمتعة ؟ هل يمكن أن يمازج حب كتاب الله نفوس الصغار ودرسه يقدم خاليا من كل مبهج ومحفز ؟ هل استشعر المعلم أن طريقته في تقديم درس القرآن بهذه الصورة قد تصنع حاجزا كبيرا بين الطلاب وكتاب الله لا تحطمه السنوات ولا يؤثر فيه تعاقب الليل والنهار....جلست مع أحدهم بعد الحصة فشكرته ودار بيني وبينه حوار قلت له : أعلم ماتبذله من جهد كبير مع طلابك ولدي تساؤل كيف نجعل حصة القرآن الكريم من الحصص الممتعة لدى الطلاب ؟ قام يجمع شتاتا من العبارات التي تكشف غياب هذا المعنى لديه قلت طيب دعنا نتعاون معا لنرسم أنموذجا جميلا لدرس القرآن الكريم توصلت معه إلى بعض معالم التدريس الممتع لمادة القرآن الكريم ( المقدمة المثيرة , القصص الداعمة للآيات , بث روح التنافس بين الطلاب نحو قراءة أجود , المناقشة حول معاني الآيات , التحفيز والتعزيز , تقديم الجوائز , سيادة البهجة والنشاط في الدرس , تكليف الطلاب ببعض الواجبات التي تقوم على البحث مثلا من يستطيع معرفة اسم امرأة فرعون ؟ ونتركه يسأل أمه وأباه وإخوته ليتعلم مهارة البحث عن المعرفة والتي تبدأ بسؤال الوالدين وتنتهي بالقدرة على تحصيل المعرفة من مصادرها الخاصة سواء الكتب أو غيرها ) قلت له لو طبقنا هذه المعالم على حصتك كم سيكون المتوافر فيها ؟ وعدني خيرا كما وعدني زملاؤه عندما فعلت معهم مافعلت مع صاحبنا هذا...أكدت لهم قبل أن أغادر المدرسة أن معالم التدريس الممتع تحتاج إلى تحضير وإعداد وتهيئة ذهن.....عندما حضرت لزيارتهم في المرة الثالثة لم أجد منهم تفاعلا مع ما اتفقت معهم عليه ووجدت أنهم يسلكون طريقتهم السابقة ناقشتهم قلت : يبدو أنكم كنتم غير مقتنعين بما طرحته قالوا : لا ولكنه بصراحة يختاج لوقت وجهد قلت : ولكنكم تتقاضون أجورا عالية لأجل ذلك ...جلست مع مدير المدرسة فوجدته أقل حماسا منهم للتطوير وأكثر تهيبا من مواجهتهم ومتابعتهم طلبت منه زيارتي في مركز الإشراف لمناقشة الأمر مع مديره حضر لم يكن مرتاحا للحضور للمركز ورأى أن مجيئه يدل على تقصيره صارحته أمام المسئول بتقصيره سألته عن الدرجة التي وضعها للمعلمي المقصرين فوجدتها بين ممتاز مرتفع وممتاز قلت له : ألا تعتقد أنك تظلم نفسك بهذه الدرجات قبل أن تظلم المعلمين ...ألا ترى أن المقصر عندما يكافىء بالدرجات العالية أننا نعزز فيه التقصير وخفة الأمانة ...عندما غادر صارحني مدير المركز أن هذه المدرسة مسرطنة وفيها من التقصير الشيء الكثير قلت : يعني ذلك أنك تعلم عن حالها ...قال الجميع يدري قلت : ولكنك مؤتمن ومسئول عنها يوم القيامة قال : أخشى أن تستحوذ هذه المدرسة على جهدك وتحرم المدارس من جهودك قلت : لدي اقتراح أن تسند المدرسة لزميل آخر لعل الله أن يفتح على يديه قال : وكيف ستقومهم ؟ قلت : لا يستحق أحدا منهم الحوافز الممنوحة للمعلمين المجتهدين والمتميزين في تدريس الصفوف الأولية يجب أن يشعروا بتقصيرهم قال : ستحدث ضجة وستكون لهم ردود أفعال !! قلت : لتكن ...المستغرب أن هؤلاء المعلمين لم تبدر منهم ردة فعل , قابلت بعضهم بعد أكثر من سنة في بعض الدورات فلم أجد أن في نفوسهم علي شيئا ...قلت لهم أنني كنت حريصا على أن أقدم لهم شيئا لكن يبدو أن الأمر كان أصعب مما كنت أتصور .
أيها الأحبة : علمتني الحياة أن التقوى والخشية من الله سلوك وعمل وليس زيا يتزيا ..قابلت عددا ممن ليس لهم عند الناس قدرا ومكانة فوجدتهم أصدق الناس في أماناتهم وعملهم وحرصهم على طلابهم وتأثيرا فيهم كما قابلت أناسا ممن يصدر في المجالس وممن ينعت بأجمل النعوت فرأيتهم من أخون الناس للأمانة ومن أغلظهم أخلاقا وأسلطهم لسانا ....كما قابلت أناسا من أهل التدين والصلاح فرأيت فيهم الصدق والخير والحرص والأمانة رأيت فيهم مثالا للمؤمن الصادق في قوله وفعله رأيت فيهم سماحة الصالحين وتواضع المخبتين والسعي الدؤوب في نفع أنفسهم وطلابهم ...تحضر لديهم في الفصل فترى شفقتهم على طلابهم ورحمتهم بهم وحرصهم على ماينفعهم فبوركوا من معلمين ولا أدري لماذا يتحوطني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي معناه أن الملائكة تستغفر لمعلم الناس الخير عندما أزور أمثال هؤلاء.




مسفر ناصر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس