عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-2009, 01:30 PM   #36
مسفر ناصر
 
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 17
مسفر ناصر is on a distinguished road
افتراضي رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )

الوكيل المتعلك

مع إشراقة شمس جديدة كنت في طريقي لإحدى المدارس الكبيرة في المحافظة دخلت المدرسة فوجدت أن السكون يلف المكان لم يقطع ذلك إلا ترحيب المدير بي قمت بالتوقيع في دفتر الحضور فوجدت من حضر من المعلمين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة في حين يفوق عدد معلمي المدرسة الثلاثين , قطع هذا السكون ترحيب مدير المدرسة بي بادلته التحية وسألته عن مدى التزام المعلمين بالحضور المبكر للمدرسة أكد لي أن معلميه على درجة كبيرة من الانضباط والالتزام بالنظام , قلت : وهل تعتقد أن الدقيقتين الباقيتين كافيتان لحضور المعلمين وقيام كل فرد منهم بمهامه سواء مايتعلق بالاذاعة أو ترتيب طلابه ومراقبة سلوكياتهم في المواقف المختلفة قال : ستراهم إن شاء الله في الاصطفاف الصباحي قلت : خير إن شاء الله لنتجه له إذا ...مرت السبع دقائق الأولى ولم يكن في طابور الصباح سوى عدد قليل من المعلمين لم يستطيعوا ضبط العدد الكبير من الطلاب والذي يتجاوز الستمائة طالب , كان الاصطفاف الصباحي مثال معبر عن الفوضى التي تعيشها المدرسة , أكمل هذا العبث لملمة بعض الطلاب ليقدموا إذاعة لم يخطط لها فكان الطالب الصغير يتساءل عن المهمة التي سيقوم بها قراءة قرآن أم حديث شريف , وسط هذه الفوضى دخل المكان شاب بدأ يتجول بين المعلمين الذين تزايد عددهم مع قرب نهاية الاصطفاف لم أتبين ملامحه لكن تبينت أنه يتحرك في أنحاء المكان مبتهجا يلاطف هذا ويمازح ذاك , جاء للسلام على مجموعة من المعلمين قريبا مني فرأيته يمضغ شيئا في فمه ظننته يجتر من بقايا إفطاره لكن تأكد لي أن الأمر ليس كنت أظن فقد كان يضع علكة في فمه يعالجها بفكية بطريقة مقززة أمام الجميع , أثناء عودتي مع مدير المدرسة سألته عن المعلم الذي سلم علي , قال : أي واحد قلت : الذي كان يتعلك أمام الطلاب والمعلمين قال : إنه ليس معلما هذا وكيل المدرسة قلت : ما رأيك في فعله ؟ قال : الله يهديه يا أستاذ تعرف شباب اليوم , قلت : ألا ترى أنه أحوج مايكون إلى نصيحتك , ألا ترى أن هذا السلوك لا يليق بقائد تربوي سيكون يوما من الأيام مديرا لمدرسة , ألا ترى وأنتم في بيئة أغلب سكانها ممن ينظرون إلى المتعلك في مجامع الناس نظرة تحقيروازدراء بل يصفونه بأوصاف لا أستطيع ذكرها , ألا ترى أن المدير والوكيل في المقام الأول يجب أن يكونا منارتين من منارات القيم والفضيلة , تعلم جيدا أيها المدير الفاضل أن الناس أرسلوا لنا أبناءهم لنكسبهم من الخلق رفيعه ومن الفضائل أعلاها , قال : والله إنك صادق فعلا تصرف مايليق إن شاء الله أنبهه على ذلك , قلت : أشكرك على تجاوبك وحرصت , بعدها بدأت في إكمال برنامج الزيارة فقمت بزيارة المعلمين في فصولهم وفوجئت بهذا الوكيل يدخل علي في أحد الفصول يسأل عن أحد الطلاب والطريف أنه يتكلم مع معلم الصف وهو يتعلك بصورة لا تليق بسوقة الناس فضلا عن كونه مربيا وقائدا , لم أعلق وعاد أدراجه بعد أن سأل عن ماجاء من أجله ...قررت مواجهته بخطئه بعد انتهاء زيارتي للمعلمين وتسجيل ملاحظاتي على المدرسة نصحا له , انتهيت من مهمتي ولم يبق علي سوى مناقشة المدير في الملحوظات التي شاهدته خلال الزيارة , جلست مع مدير المدرسة في مكتبه وبدأت في نقاش الملحوظات وقدمت له بعض الاقتراحات التي جربت في مدارس أخرى ونجحت مثل معالجة تأخر المعلمين , عندها دخل علينا الوكيل وجلس قبالتي , قلت : رائع أن يكون الأستاذ الوكيل موجودا لكونكما شريكين في قيادة المدرسة , واصلت كلامي وذهلت أنه ما يزال يحمل العلك في فمه قلت في نفسي لن أترك هذه الفرصة تفوت لا بد من مواجهته ومناقشته حول هذا السلوك الشائن لكن عندما يمتد الحوار قليلا , واصلت حديثي مع مدير المدرسة حول فرص التحسين الممكنة فوجئت بالوكيل يقول أفهم من كلامك يا أستاذ أن شغلنا خطأ وأن المدير ليس بكفء في إدارة المدرسة تعرف يأا أستاذ بأنك أول واحد يتهمنا بالتقصير قلت : سأسأل المدير هل وجدت في كلامي ما يتنقص كفاءتك ؟ هل تناولت شخصك بشيء , ثم التفت إلى الوكيل فقلت له : يا أستاذ أنا أعتذر عن الحديث معك حتى تزيل مافي فمك ؟ ارتبك فلم يكن يتوقع أن أبادله الهجوم بقوة , قال لي وهو يحاول أن يجمع شتاته : العلك مافيه شيء قلت : أن تتعلك منذ الصباح على مشاهدة من الجميع , هل تعرف أيها الحبيب كيف ينظر أولياء الطلاب بل الطلاب إلى من يفعل ذلك أمام الرجال , إذا أردت اذهب لطالب من طلاب الصف الأول واسأله من يأكل العلكة أمام الرجال وش هو ؟ صدقني ستجد الجواب مرا , قال يا أستاذ إذا مجتمعك يرى أن هذا عيب فنحن لا نرى فيه عيبا قلت : أسرتك وقرابتك لايرون ذلك معيبا : قال نعم قلت : كم تظلم قرابتك بهذا الافتراء والله أنني أعرف الكثير من قرابتك من أهل الفضل والمكانة ممن لا يقبلون مثل هذه السلوكيات في المجامع العامة , قال : أنا لا أراه خطأ قلت : لك رأيك لكنني لن أسمح بمزاولتك هذا السلوك أمام أبنائي وسأطلب استدعاءك للحضور لإدارة التعليم ليقوم بعض المختصين بمناقشتك ونصحك , ثم أسألك بالله لو حضر الطلاب غدا وكل يحمل علكته في فمه م الذي ستفعل : قال سأمنعهم قلت : لماذا تمنعهم ؟ قال : لأننا في مدرسة , قلت : ماذا لو احتجوا بأنهم يفعلون كما يفعل الوكيل ولو كان عيبا مافعله , قال : أنا مصر أنني لم أخطىء وبصراحة يا أستاذ أنت اتهمت مديرنا بعدم الكفاءة وضعف الخبرة , قلت : تعتقد أنك بهذا الأسلوب تتقرب من مديرك , هو نفسه لا يرى أنني قمت بانتقاصه كنت أتوقع أنك حضرت إلينا لتقدم بعض مايسهم في معالجة الأخطاء التي تعاني منه المدرسة وبما أنك تقدم دورا آخر غير الدور المتوقع منك كقائد فأنا أطلب أن يكون لقائي مع مدير المدرسة فقط , ارتبك أكثر وقال يعني أفهم يا أستاذ أن أخرج برا , قلت أرغب في اجتماع خاص مع مدير المدرسة لكوني أرى أن وجودك يؤخر المعالجة وسأكون مضطرا لمخاطبة المسئولين بشأنك لاعتقادي أنك تمارس بعض السلوكيات بشيء من الاستهتار قال : أنا لم أخطىء , واستأذن وخرج ...بعد أيام رفعت خطابا للتحقيق مع المعلم في سلوكه المذكور فحقق معه المحقق وسأله عن العلك فأنكر تماما أنه قد تعلك أو أنه حاول استثارة مدير المدرسة واستعدائه , أطلعني المحقق على ردوده المكتوبه وقال لي أشعر أنه يكذب وطلب مني كتابة رأيي فيما أنكره قمت وسطرت كلاما أذكر منه أنني أعتذر له أي للوكيل أن أوقعته في هذا الموقف الذي دفعه ليطمس قيمة عظيمة من أعظم القيم وهي الصدق قلت للمحقق متسائلا : هل يمكن أن تصل البشاعة والقبح هذا الحد ( الانكار للموقف كله ) قلت له : أرجوك أن يقرأ كلماتي التي كتبتها واعتذاري له أن كنت سببا في خروجه من إنسانيته ....وتمر الأيام وأزور المدرسة وأفاجأ أن يقابلني بترحيب كريم وسلوك راق ونظرات خجلى صافحته بحرارة ولم أناقشه فيما مضى .
أريد أن أقول أننا قد نخرج البعض من آدميتهم عندما نقسو عليهم لكن ما الحيلة إذا كانت القسوة في بعض الأحيان هي الطريق الوحيد لإصلاح حالهم , ما الحيلة إذا كان الضرر متعديا صاحبه ليتناول صغارا هم أحوج مايكونون للرعاية والعناية والحفظ .




مسفر ناصر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس