اسم المنتدى منتدى الأحساء التعليمي المنطقة الأحساء سنة التأسيس 1424-2004 المؤسس خالد السعيد حساب تويتر kldsed@ بريد إلكتروني kld@kld.me جوال المنتدى 0506999229

 


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 22-07-2012, 05:28 PM   #1
ورد الرابعة
مشرفة قسم المتوسطة الرابعة بالمبرز
 
تاريخ التسجيل: 05-04-2011
الدولة: الأحساء
المشاركات: 244
معدل تقييم المستوى: 14
ورد الرابعة is on a distinguished road
31 خواطر حول الموت وفقد الأحبة

بسم الله الله الرحمن الرحيم



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أعزاءنا اخترت لكم هذه الجزئية من الخواطر علّ الله ينفع بها ويؤجرنا خيراً بإذنه وهي حول الموت وفقد الأحبة أنقلها لكم نصاً من موقعها وهي لفضيلة الشيخ / سعيد عبد العظيم.

خواطر حول الموت وفقدالأحبة

بسم الله، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أمابعد

فما من يوم إلا ونشيع غاديًا ورائحًا إلى الله، قد خلع الأسلاب، وفارق
الأحباب، ووُجه للحساب، غنيًا عما ترك فقيرًا إلى ما قدم، وتعظم المصيبة مع قوة الصلة وتأكد أواصر المحبة، قال تعالى : ( فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ)( المائدة:106)، فالموت مصيبة، وكأن الإنسان لا يصدق نفسه كيف صار الحبيبُ والقريبُ جثةً هامدة؟!


وكان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله- يقول: « ما رأيت حقًا أشبه بباطل من الموت ، يعـرفه الناس ثم لا يستعـدون له » ، وكان أبو الدرداء - رضي الله عنه - إذا رأى جنازة يقول: « اغدوا فإنا راحون، وروحوا فإنا غادون ، موعظة بليغة وغفلة سريعة، يروح الأول ولا يُعتبر الآخر ».
والنفس إلى موت،والمال إلى فوات، وأنت من التراب وإلى التراب تعود، أنت اليوم حي وغدًا ميت، وممانُسب إلى رابعة العدوية:
إذا صح منك الود فالكلهينٌ وكل الذي فوق التراب ترابميت يحمل ميتًا، وميت يبكي على ميت، وميت يرث ميتًا، وكأن الموت فيها على غيرنا كُتب، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وكأن الذي نشيع من الأموات سفر عما قريب إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم ، ونأكل تراثهم كأننا بعدهم مُخلدون.

وقد أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإكثار من ذكر الموت فقال : ( أَكْثِرُوا مِنْذِكْرِ هَادِمِ اللَّذَّاتِ) رواه البخاري، وتضافرت كلمات الصالحين على التذكير بهذهالحقيقة التي نغفل عنها، فكم من مستقبِل يومًا لا يستكمله، ومنتظرٍ غدًا لا يبلغه!! لو أدركتم الأجلَ ومسيرَه لأبغضتم الأملَ وغرورَه.

صعد أبو الدرداء - رضي الله عنه - درج مسجد دمشق يومًا فقال : « يا أهل دمشق ألا تستمعون من أخ لكم ناصح؟ إنمن كان قبلكم كانوا يجمعون كثيرًا ويبنون شديداً، ويأملون بعيدًا، فأصبح جمعهم بورًا، وبنيانهم قبورًا، وأملهم غرورًا ».

وقال: « ثلاث أضحكتنيحتى أبكتني: طالب دنيا والموت يطلبه، وضاحك ملء فِيْهِ ولا يدري أأرضى ربه أمأسخطه؟
وغافل ليس بمغفول عنه ». وأتى لمن وعظه وزاده تذكيرًا، فقال : « ويحك... كيف بك
لو قد حُفر لك من الأرض أربع أذرع ».

وكان عليٌّ - رضي الله عنه- يقول: « إن أخوف ما أخاف عليكم الهوى وطول الأمل، أما الهوى فيصد عن الحق، وأماطول الأمل فينسي الآخرة ».

وقال عمر بن عبدالعزيز لسعيد بن عنبسة: « يا سعيد أكثر من ذكر الموت، فإنك لا تكون في ضيق من أمرك وشدة فتذكر الموت إلا وسع ذلك عليك، ولا تكون في سعة من أمرك وغبطة فتذكر الموت إلاضيق ذلك عليك ».



ولما دخل عليه محمد بن كعب القرظي أطال إليه النظر متعجبًا فقال له عمر بن عبد العزيز: « إنك تنظر إليّ نظرًا ما كنت تنظره من قبل »، فقال: « ياأمير المؤمنين ما نَحَلَ من بدنك ونَفَى من شعرك وحال من لونك »، فقال له عمر : « كيف بك لو رأيتني بعد ثلاثة، وقد دُليت في حفرتي، وسالت حدقتي على وجنتي، وامتلأ فمي دمًا وصديدًا؟ ».

وجلس يومًا متأملا متفكرًا ثم نطق وقال: « قبور خرقت الأكفان ومزقت الأبدان، مصت الدم وأكلت اللحم، ترى ما صنعت بهم الديدان، محت الوجوه، وكسرت الفقار وأبانت الأشلاء ومزقت الأعضاء، تُرى أليس الليل والنهار عليهم سواء، أليس هم في مدلهمة ظلماء، كم من ناعم وناعمة، أصبحت وجوههم بالية وأجسادهم عن أعناقهم نائية، قد سالت الحُدق على الوجنات وامتلأت الأفواه دمًا وصديدًا، ثم لم يلبثوا والله إلا يسيرًا حتى عادت العظام رميمًا»، ثم قال: «ليت شعري كيف ستصبر على خشونة الثرى؟ وبأي خديك سيبدأ البلى؟»، وقال: «يا ساكن القبر غدًا، ما الذي غرك منالدنيا؟ أين دارك الفيحاء؟ بل أين رقاق ثيابك؟ ».

قال الحسن : « إن أمرًاهذا الموت آخره لحقيق أن يُزهد، وإن أمرًا هذا الموت أوله لحقيق أن يُخاف آخره ، ولأن تصحب أقوامًا يخوّفونك حتى تدرك أمنًا خير لك من أن تصحب أقوامًا يؤمنونك حتى تدركك المخاوف ».

وكان بشر الحافي يضرب مثلاً يبسط به الوعظ القديم فيقول : « إن في هذه الدار نملة تجمع الحب في الصيف لتأكله في الشتاء، فبينما هي في يوم من الأيام إذ أخذت بفمها حبة وجاءها عصفور فأخذها هي والحبة، فلا ما جمعت أكلت ولا ماأملت نالت ».

وكان الإمام أحمد - رحمه الله- يقول : « يا دار تخربين ويموت سكانك »، وقال : « من لم يردعه ذكر الموت والقبور والآخرة فلو تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع ».

ويمر بخاطري مواقف وحكايات تتعلق بالموت، ومنها قصة الشاب الذي توفى والده فتظاهر بالمرض، وانتظر حتى خرج إخوته بالجنازة ثم غيَّر هو مفتاح الشقة حتى يتيسر له الاستيلاء على الشقة ويمنع إخوته، والواقع أحيانًا قد يكون أغرب من الخيال!!

وحكى لي أحد الأقارب أن رجلاً في مقتبل العمر جلس تحت الشمسية على شاطئ البحر ونزل ولداه يسبحان في الماء، فمالت رأسه يقول: فقمت إليه فإذا روحه قد فاضت إلى بارئها ( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَاتَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)(لقمان :3). وموت الفجأة كثير وهو من علامات الساعة، والمسألة قد لا تحتمل الذهاب إلى غرفة الإنعاش أو العناية المركزة.

وافتقدت أحد الإخوة لفترة طويلة، ثم فوجئت به يبعث لي لزيارته بالمستشفى فذهبت ولم أتعرف عليه، فقد كانالسرطان قد أصابه بنحافة شديدة بعد أن كان شابًا مفتول العضلات، ثم ما هي إلا أيام قلائل وتوفي.

كان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: « أخاف أن يُقال يوم القيامة ياعويمر هل علمت فأقول: نعم، فيقال: ماذا عملت فيماعلمت ».

إن الأمان غدًا لمن باع قليلاً بكثير، ونافدًا بباق فالمبادرة المبادرة، إنما هي الأنفاس لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم، إنكم أصبحتم فيأجل منقوص، والعمل محفوظ، والموت في رقابكم، والنار بين أيديكم، فتوقعوا قضاء اللهفي كل يوم وليلة، وما أنت إلا أيام مجموعة، إذا مضى يوم مضى بعضك.

وقالوا: كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سَنَته، وسَنَته تهدم عمره، وعمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته؟!

ذهب عبد الملك بن مروان إلى مقبرته في الوجع الذي مات فيه وبكى كثيرًا وقال: « يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه »

لقد فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي لُب فرحًا، وأيامنا تمضي سراعًا بلا بركة إذا قورنت بحياة سلفنا الصالح.

لما أتى جُند الحجاج لأخذ سعيد بن جُبير -رحمه الله- بكى ابنه، فقال له سعيد: « ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد خمسين سنة ؟ لقد كنت أنا وصاحباي لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء، وسألنا الله الشهادة فكلا صاحبي رزقها وأنا أنتظرها » ، وهذا شأن من علت همته وتيقن أن الموت حق.

وفي أثناء حواره مع الحجاج قال له: « اختر لنفسك يا سعيد قتلة »، فقال له: « بل اختر لنفسك يا حجاج؛ فوالله ما قتلتني قتلة إلا قتلك الله مثلها يوم القيامة » ، قال له الحجاج: « شقيت وشقيت أمك يا سعيد »، فرد عليه قائلاً : « الغيب يعلمه غيرك »، قال الحجاج: « لأبدلنك بالدنيا نارًا تلظى »، قال سعيد: « لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا » ، جمع بين يديه من أصناف المال ، فقال سعيد : « لو جمعت هذه لتفتدي من عذاب يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تُذهل كل مرضعة عما أرضعت ولاخير في شيء جمع للدنيا إلا ما طاب وزكا»، ولما أخرجوا سعيد لقتله ضحك فسأله الحجاج،فقال سعيد : « عجبت لجرأتك على الله وحلم الله عليك »، ثم بطحوه على الأرض فقال سعيد: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)، ودعا على الحجاج: « اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي » ، فعاش الحجاج بعدها أيامًا يستيقظ من نومه مذعورًا يقول: « ما لي ولسعيد بن جبير؟!».

ولما قبضوا على خبيب بن عدي سألهم أن يمهلوه حتى يصلي لله ركعتين، فأطال الصلاة، وهو أول من سنّ سُنَّة القتل، ثم قال: « لولا أن تظنوا أني أطلت الصلاة مخافة القتل لأطلتها أكثر »، ثم لما ناوشوه بالسيوف وبالرماح وقع وهو يردد:

ولست أبالي حين أُقتل مسلمًا على أي جنب كان في الله مصرعي
فذلك في ذات الإله وإن يـشأ يبارك على أوصال شلو
ممزع

لقد تاقت نفوسهم إلى الجنة ونعيمها، وتمنوا لقاء الله فيغير ضراء مضرة، ولا فتنة مُضلة.

لما كان يوم أُحدانكشف المسلمون فتبرأ إلى الله مما فعله المشركون، واعتذر إليه سبحانه مما فعله إخوانه، وكان قد سمع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قد مات ، فقال: « إن كان قدمات فعلام الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على مثل ما مات عليه ». كلمة تصلح لأن تكون منهاجًا للحياة... ثم قال: «واهٍ لريح الجنة إني لأجد ريح الجنة من دون أُحد » ، فقاتل فقُتِل وما عرفته إلا أخته بطرف بنانه.

وفيه وفي أمثاله نزل قوله تعالى : ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَاعَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْيَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)(الأحزاب:23) .

ويوم أُحد أخرج عمير بن الحمام تمرات من جيبه يأكل منها ثمحدّث نفسه: « لأن أنا حييت حتى آكل ثمراتي هذه، إنها لحياة طويلة » ، فرمي بها ثم دخل يقاتل فقُتِل ، وعرض سعد على ابنه خيثمة أن يبقى مع نسائه وهو يكفيه الخروج ، فرفض وقال: «إني لأرجو أن أرمي فيما هاهنا » - وأشار إلى جبهته - فما تجاوز السهم الموضع الذي حدده . وإن تَصْدُق الله يصدقك.

ولما عرض عمر - رضي الله عنه - الدرع على أخيه ليتقي به الضربات، قال: «إني لأرجو مثل الذي ترجو »،وكانوا يطلبون الموت مظانَّه.

وأقسم عمرو بن الجموح - رضي الله عنه - ليطأن بعرجته الجنة، وكان أولاده قد أرادوا منعه، وأن يكفوه الخروج للجهاد في سبيل الله.

ما أعظم وصية نبي الله يعقوب عند وفاته لبنيه! قال تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (
البقرة : 133) ، هذه الوصية بمثابة مقياس يُحتذَى قال تعالى : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) ( الأنعام :90 )

إن شفقة الآباء على الأبناء اليوم تحتاج إلى شفقة، وماأعظم الفارق بين من يموت وهو يلعب الشطرنج، أو يموت بالسكتة القلبية في تشجيع الكرة، وبين من يموت على طاعة أو هو يجاهد في سبيل الله، وإنما الأعمال بالخواتيم.

بعد أن تولى نبي الله يوسف - عليه السلام - زمام مصر توجه إلى الله بالدعاء وقال : ( تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ )(يوسف:101)

وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في لحظاته الأخيرة يضع يده في ركوة بها ماء ويقول : لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات، ثم قال: بل إلى الرفيق الأعلى، خُيِّر فاختار، وما عند الله خيرللأبرار، وأتى أبو بكر -رضي الله عنه - فاستوثق خبر وفاته - صلى الله عليه وسلم - وقبَّل جبينه وقال : طبت حيًّا وميتًا، ثم خرج وأمر عمر بالنزول من على المنبر، وقال قولته المشهورة : « من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنالله حيٌّ لا يموت»، وتلا قوله تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّارَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِل انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)(آل عمران144).

وما دفن النبي - صلى الله عليه وسلم- حتى تولى أبو بكر - رضي الله عنه - زمام هذه الأمة ، الأمر الذي يدل على عظيم فقه الصحابة الكرام، فقد كان موت النبي - صلى الله عليه وسلم- أعظم مصيبة مُنيت بها هذه الأمة، ولكن لا ينبغي أن تموت الدعوة بموت أحد، ولا أن تسافر بسفرأحد، ولا أن تمرض بمرضه ولا أن تتوقف بتوقفه.

تهتز المشاعر لوفاة عمر -رضي الله عنه- وقد دخل عليه ابن عباس ففغر فاه متعجبًا فقال: «أما ما تراه من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك »، لقد عاش عمرًا حميدًا، ومات شهيدًا، ولما قال له ابن عباس: « إن الله مصَّر بك الأمصار، وفتح بك الفتوح، وفعل وفعل»، قال عمر : «وددت أن أنجو لا أجر ولا وزر ».

وقال لابنه ابن عمر: « ضع خدي على الأرض »، فرفض الابن
فقال: « ضع خدي على الأرض، لا أم لك، ويلي وويل أمي
إن لم يرحمني ربي ».

ولما علم ابن عمر من أخته أم المؤمنين حفصة -رضي الله عنهما - أن أباه لن يستخلف قال: فبت مهمومًا، فلما أصبحت دخلت عليه فابتدرني فسألني عن أحوال الناس فأجبته، ثم قلت له: « أرأيت لو أن لك راع عنده غنم تركها وارتحل،أترى أنه قد ضيع » قال: فأطرق ساعة يفكر ثم رفع رأسه وقال: « إن أنا استخلفت فإن أبابكر قد استخلف، وإن لم أستخلف فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يستخلف، وإنالله يحفظ دينه »، قال ابن عمر فعلمت أنه لن يستخلف وأنه لن يعدل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدًا.

لما كان يوم أُحد قطع ابن قميئة يد مصعب بن عمير اليمنى، فأخذ اللواء بيده اليسرى فقطعها ابن قميئة فأمسك مصعب اللواء بعضديه، فأنفذه ابن قميئة بحربة، فوقع وهو يردد: ( وَمَامُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْقُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) ، ولم يجدوا ما يكفّنونه فيه إلا بُردة، إن غُطي وجهه بدت رجلاه، وإن غطت رجلاه بدا رأسه.

وكان مصعب سيرةً أرقت الأفاضل من بعده، حتى قال عبد الرحمن بن عوف عند فطره، وقد عافت نفسه الطعام، قتل مصعب وهو خير مني كُفّن في بُرده إن غطى رأسه بدت رجلاه، وإن غطت رجلاه بدا رأسه، وقد بسط لنا من الدنيا ما بسط وقد خشينا أن تكون حسناتنا عُجلت لنا.

علو في الحياة، وعلوفي الممات، وكانوا جبالاً فوق الجبال، وبحوراً فوق البحور، واستفرغوا الوسع في طاعة الله وفي إقامة واجب العبودية.

يشدني موقف معاذ -رضي الله عنه - عندما أصيب ابناه في طاعون الشام قال: كيف تجدانكما،
قالا: « الحق من ربك
فلا تكونن من الممترين »، قال: « وأنا إن شاء الله ستجدانني من الصابرين »، وماتت امرأتاه في الطاعون فأقرع بينهما أيتهما تدفن أول، ولما أصيب في إبهامه، قال: « اللهم إنها صغيرة فبارك فيها »، فالطاعون شهادة لهذه الأمة، وجعل يقول في الليلة التي مات في صبيحتها: « هل أصبحنا هل أصبحنا؟ »، فجاءوه في بعض الوقت فقالوا له: « قدأصبحت » فقال: « أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار، اللهم إني كنت أخافك وأنااليوم أرجوك ، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لكرى الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر وقيام ساعات الشتاء الطويلة » ، وقال: « اللهم قد غارت النجوم ونامت العيون
وهدأت الجفون وأنت حيٌ قيوم، اللهم هب لي هدى ترده إليّ يوم القيامة، إنك لا
تخلف الميعاد ».

ما أحلى أن يعيش الإنسان على بصيرة ويموت على بصيرة!! وأن يحرص على طاعة الوقت دون تسويف أو تأخير، فالموت يوضع نصب الأعين، وكل ما هو آت فهوقريب والبعيد ما ليس بآت.

فبادروا بالأعمال سبعًا: هل تنتظرون إلا فقرًا منسيًا أو غنى مطغيًا أو مرضًا مفسدًا أو هَرِمًامفندًا، أو موتًا مجهزًا أو الدجال فشر غائب منتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر.

لقى الفُضيلُ رجلاً فقال: « كم أتت عليك؟ »، قال: « ستونسنة »، قال: « أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك توشك أن تبلغ »، فقال الرجل: « إنا لله وإنا راجعون »، قال الفضيل: « أتعرف تفسيره؟ من علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع ، فليعلم أنه موقوف ، ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسئول، ومن علم أنه مسئول، فليُعد للسؤال جوابًا»، قال الرجل: « فما الحيلة؟ »، قال الفضيل: يسيرة، تُحسن فيما تبقى يُغفر لك ما مضى فإنك إن أسأت فيما بقى أخذت بما مضى ومابقي.

فأحسن المسير إليه، وقل : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى )، جدد التوبة ورد الحقوق لأصحابها ( اتَّقُوااللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(آل عمران:102)

لما حضرت الشافعي الوفاة جعل يقول:

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجل منك بعفوكسُلماً


تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوكأعظما


وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منة وتكرما

ما أطال النوم عمرًا، ولا جلب التفريط سعادة، ولم يمت أحد إلا بأجله ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)(الأعراف:34)، ولا يجوز أن يقال: البقية في حياتك حتى وأن قُتل الإنسان، بل يُقال: «إن لله ما أعطى وله ما أخذ وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب».

وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يمنعك من أن تطلب ميتة محمودة وتسأل ربك الشهادة، فللشهيد عند الله ست خصال: (يُغْفَرُ لَهُ فِى أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِالأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَاخَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِى سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِه)
[ رواه الترمذي، وصححه الألباني ]، وأرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح من الجنة حيث شاءت، ولا يجد الشهيد من ألم القتل إلا كما يجد أحدكم من ألم القرصة.

ولذلك قال الصادق المصدوق - صلوات الله وسلامه عليه : (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّى أَغْزُو فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُوفَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ )
[ رواه مسلم]، وذلك لما يعلم من أجرالشهيد.

لذلك أيضًا كان خالد بن الوليد - رضي الله عنه - يقول: « لليلة شديدة البرد أخرج فيها في سرية من المهاجرين أصبح بهم الأعداء أحب إليَّ من ليلة تُزف فيها إليَّ عروس أو أرزق فيها بغلام أنا له محب »، وقال في لحظة وفاته: « لقد شهدت مائة زحفت أو زهاءها وما في جسدي إلا ضربة سيف أو طعنة رمح وهأنذا أموت على فراش كما تموت العير فلا نامت أعين الجبناء
»

أتعجب بشدة من سرعة مرور الأيام ، وكيف وهن العظمُ واشتعل الرأس شيبًا!

أعذر اللهُ إلى رجل بلغ به ستين سنة ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)( فاطر:37 ).

وها نحن بين أجلين، بين أَجَلٍ قد مضى لا ندري ما الله صانعٌ فيه؟ وبين أجل قد بقي لا ندري ما الله قاضٍ فيه؟ فنسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العُلى أن تجعل خير أعمالنا خواتيهما، وخير أعمارنا أواخرها، وخيرأيامنا يوم نلقاك.

اللهم ارزقنا عيش السعداء، وموت الشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقًا، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرانا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.


وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ


انتهت الخواطر
أسأل الله أن ينفع بها وإلى الملتقى استودعكم الله الذي لاتضيع ودائعه

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


مع تحية المنسقة الإعلامية بالمدرسة






ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك




ورد الرابعة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس

 

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
" هاري بوتر " و " مفكرة الموت " فتنة الصغار والكبار ، كفر وإلحاد فية المنتدى العام 1 24-06-2012 08:21 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

 


الساعة الآن 12:24 PM.


CopyRight © 2009 , TranZ By Almuhajir
هذا المنتدى برعاية مؤسسة عالم ابدأ للحاسب الآلي - الأحساء - الهفوف - الشهابية - شارع الستين- هاتف 035883818- 0506999229
اختصار الروابط