شذى عبدالرحمن
04-01-2010, 11:47 PM
البرنامج الوثائقي(Documentary)
(كيفية تلقيه و استعماله إعلاميا)
قد يكون من قبيل التزييفِ, الحديثُ عن إعلامٍ حر أو مستقل، فكلّ وسيلةٍ إعلاميةٍ تروِّج لسياسةٍ معينةٍ سواءٌ أكان لِجماعةٍ ما ,أو مريدِ سلطةٍ ما، أو صاحبِ سلطةٍ يريد تشكيلَ الرأيِ العامِّ حسَبَ رؤيتِه و مصالِحِه، و هذا ما يجري الآن في كلِّ وسائلِ الإعلام على مختلفِ أشكال التعبيرِ الأدبي و الفني , إذ يعتبر الإنتاج الإعلامي (دراما ,وأفلام روائية ,وتقارير إخبارية ,وأفلام وثائقية وغيرها ) لصيقا بمشروعٍ سياسي ما سواءٌ أكانَ عن قناعة من صاحبه أو عن طمعٍ أو وظيفةٍ يؤديها.وفي هذا الإطار تأتي الأفلام الوثائقية لتكتسب أهمية بالغة, حين أيقن القائمون على وسائل الإعلام أنها وسيلة فعالة لإيجاد أرضية خصبة للتأثير و للتعبير عن وجهة نطره فنجد دولا ومؤسسات تتنافس وبضراوة لريادة هذا القطاع والذي أصبح قادرا على التحكم في عقول البشر وتوجيههم .
إنها صناعة التأثير بالصوت والصورة ,صناعة باتت تنافس الكلمة ورسائل كثيرة مخفية بين طيات الكثير من البرامج ,تعيد برمجة الإنسان على مفاهيم جديدة وهو لا يعلم, إلا من تيقظ وفطن لضراوة هذه اللعبة وأهدافها , إنها صناعة الأفلام التسجيلية أو " الوثائقية" .
تتنوع الأفلام التسجيلية(الوثائقية) ليس فقط في موضوعاتها بل في مناهجها وتوجهاتها ,فقد عرضت أفلام وصفية وتحليلية إضافة إلى أفلام عن الإعلام وأخرى عن البسطاء ,وعرضت أفلام عن التنمية و أخرى عن الثورات وحركات التحرر , وأخرى في النقد الاجتماعي وغيرها وفي الوقت نفسه ترسخت للأفلام التسجيلية خصائص عامة ,بداية من منهجها في المعايشة والملاحظة ,ثم في الإبقاء وانتهاء باكتشاف او دراسة الجنس البشري ,مرورا بميدانها وهو الحياة الواقعية ,ومادتها حياة الإنسان .
الفيلم التسجيلي (الوثائقي ):المفهوم الانجليزي لهذا النوع من الأفلام التسجيلية الوثائقية documentary film لا يكتفي بتسجيل الحقيقة وحدها(توثيقها) , وإنما يضيف إليها الرأي أيضا .
ويُعرف الفيلم التسجيلي (الوثائقي ) بحسب الاتحاد الدولي للسينما " بأنه كافة أساليب التسجيل على فيلم لأي مظهر للحقيقة ,يعرض إما بوسائل التصوير المباشر أو بإعادة بنائه بصدق وذلك لحفز المشاهد إلى عمل شئ أو لتوسيع مدارك المعرفة والفهم الإنساني أو لوضع حلول واقعية لمختلف المشاكل في عالم الاقتصاد ,الثقافة , أو العلاقات الإنسانية "
خصائص وميزات الفيلم التسجيلي(الوثائقي) :
1- اعتماده على التنقل والملاحظة والانتقاء من الحياة نفسها ,فهو لا يعتمد على موضوعات مؤلفة وممثلة في بيئة مصطنعة كما في الفيلم الروائي , بمعنى انه يعتمد أساسا على الواقع في مادته وفي تنفيذه ,وأهدافه.
2- أشخاص الفيلم التسجيلي (الوثائقي )ومناظره يختارون من الواقع الحي فلا يعتمد على ممثلين محترفين ولا على مناظر صناعية مفتعلة داخل الأستوديو,
3- يخاطب في العادة فئة او مجموعة مستهدفة من الجماهير ,وإثناء الإعداد (الإنتاج )يحدد الجمهور المستهدف لهذا الفيلم وعلى أساس خصائصهم يكون أسلوب المعالجة ,وحجم ونوعية المعلومات وكيفية تناولها وتقديمها والمستوى اللغوي المصاحب للفيلم أو للحوار القائم بين شخصياته ..
إن أهم ما يميز الفيلم الوثائقي بشكل عام دون سائر أدوات الإعلام الأخرى هو عملية دمج الوسائل مع بعضها البعض ,فالصورة موجودة وهي متحركة والصوت والكلمات موجدين أيضا في إطار يمكن وضع أي رسالة إعلامية داخله وهذا النوع قادر على النفاذ إلى إدراك المشاهد بشكل أسرع .
إذاً فالإعداد لبرنامج وثائقي يشمل دمج العديد من العناصر في وحدة واحدة ,فمن النص المكتوب إلى الصورة والمؤثرات المرافقة ,والموسيقى والتعليق المصاحب وغيرها , وبمعنى آخر" الإعداد المؤثر" لفكرة خاصة تعبر عن رؤية الوسيلة الإعلامية أو معد البرنامج ,يتم معالجتها بطريقة مدروسة تخاطب مشاعر وعقول المتلقين وتثير اهتماماتهم بهدف إيصال رسالة معينة ,تكون هيكل البرنامج الوثائقي , سعيا لإيجاد الأرضية المناسبة للتأثير .
ويعتمد وصول الرسالة الإعلامية بالشكل المطلوب للبرنامج الوثائقي على قدرات وسيلة الإعلام ومعد البرنامج في فهم طبيعة المتلقين للرسالة الإعلامية ( المعتقدات, بنية المجتمع ,وثقافته ,وآرائه السياسية ...الخ) وقدرته على إقناعهم بالحجج والبراهين .
وفي هذا الإطار يعتبر بعض رجال الإعلام والنقاد, البرامج الوثائقية أنجع أشكال المعلومات والأخبار وأفضلها تأثيرا,في الجوانب السياسية , الاجتماعية والاقتصادية كونها تقدم المعلومات مقرونة بمفاهيم ووجهات النظر ,بل قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى بناء مواقف معينة , وتشكيل أراء لأحداث معينة ,وقد تصل إلى تبني تشريعات وقوانين تعالج قضايا مختلفة بناء على الرسالة التي حواها و تناولها الفيلم الوثائقي.
وعلى سبيل المثال يقول مدير شركة هوت سبوت (Hot Spot Films) د. اسعد طه : "نحن بحاجة في هذه الفترة بالذات إلى الفيلم الوثائقي للتعرف على الآخر سواء كان خصما ,نبالغ أحيانا في العداء له دون أن نفهمه حق الفهم , أو كان صديقا له تجاربه النضالية التي نحن بحاجة إليها " ولذلك يمكن القول أن قناة الجزيرة تنبهت لهذا الأمر فقامت بتأسيس قناة الوثائقية والتي تبث أفلاما وثائقية على مدار الساعة في شتى الموضوعات والمجالات, وتعتبر شركة هوت سبوت لإنتاج الأفلام الوثائقية أحد اكبر ممولين قناة الجزيرة بالأفلام التسجيلية كماً وكيفاً حيث كانت آسيا وأفريقيا وأوروبا فضلا عن العالم العربي ساحة لإنتاجها. وفي هذا السياق أيضا لا يمكننا إغفال كيف فرضت أحداث 11-9 على الإدارة الأمريكية بالعمل على تحريك منظومتها الإعلامية بكل إمكانياتها للدفاع عن روايتها للأحداث من خلال إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية , حيث تمحورت دراما هذه الأفلام حول فكرة واحدة وهي بشاعة وقسوة خاطفي الطائرة العرب وبسالة الركاب الذين قاوموا محاولة الاختطاف بشجاعة؛ وهو ما أفضى في النهاية لسقوط الطائرة بهذا الشكل المفجع!.
ومن هذه الأفلام على سبيل الذكر فيلم "الطائرة التي قاومت" من إنتاج محطة ديسكفري للأفلام الوثائقية، وفيلم "الرحلة رقم 93" الذي حصد جائزة من لجنة "إيمي" للتحكيم الفني.
وكان من ضمن ما تم إعداده فيلم "الطريق إلى 9/11"، ويستعرض الفيلم بشكل درامي جميع الهجمات والتهديدات الإرهابية ضد مركز التجارة العالمي بنيويورك منذ تفجير عام 1993 وحتى انهيار الأبراج في عام 2001.
يجد المتابع أن هوليوود جاءت على رأس أولويات الإدارة الأمريكية بعد وقوع الكارثة بأقل من شهر واحد، حيث كوّنت لجنة من 40 خبيرا فنيا لدراسة سبل توظيف صناعة السينما لدعم الحرب على الإرهاب.
حتى البرامج الوثائقية العلمية لا تخرج عن إطار التضليل المتعمد ,كتلك التي تبحث في نشأة الإنسان وتكوينه من مثل طرح موضوع التطور الدارويني على انه حقائق علمية وان الحيوان الفلاني طور أعضاء جديدة في جسده ليلاءم ظروفا جديدة وان الحيوان الفلاني كان أصله كذا ثم طور نفسه إلى كذا ,فضلا عن بحثهم مسألة نشأة الكون وحديثهم عن انفجارات ضخمة حصلت قبل ملايين السنين,في محاولة منهم لإثبات نظريات وأراء تنفي ان وراء الكون والإنسان والحياة خالقاً خلقها .
إن موضوع البرنامج الوثائقي ليس الواقعة الواحدة أو الحدث المحدود والملموس ,أي موضوع الخبر إنما هو سلسلة من الوقائع التي تشكل اتجاه أو نزعة أو ظاهرة أو تطورا سياسيا أو اجتماعيا , وإذا كانت الأخبار تنقل الواقعة الواحدة المستقلة أو الحادث الفردي فإن الوثائقي يقوم على أساس توثيق الوقائع ولا يقتصر على معالجة الوقائع المنفصلة , بل مجموعة من الوقائع المتعلقة بالقضية المطروحة . فإذا كان "الخبر" على سبييل المثال : هو سقوط طائرة فإن قضية "الوثائقي " هي ظاهرة سقوط الطائرات .
إذاً فموضوع الوثائقي هو ظاهرة أو قضية ذات اهتمام خاص بالنسبة لوسائل الإعلام وقد تكون ذات أهمية كبيرة للرأي العام ,ومعالجة هذه القضية أو الظاهرة تكون تحليلية حيث تتم عملية دراسة وفحص الموضوع وإعادة صياغته في مختبرات ومطابخ الإعلام بما يتناسب وطبيعة الجمهور وإمكانياته ومعتقداته وأرائه لكي يحدث الأثر المطلوب والذي هو غاية الإعلام .
وبما أننا نتكلم عن الغاية فإن القائمين على البرامج الوثائقية لتحقيق غاياتهم يراعون في إعدادات مواضيعهم وبرامجهم ما يلي :
1- طرح قضايا فكرية وسياسية واجتماعية مثيرة للجدل والنقاش وتثير تساؤلات كثيرة .
2- التركيز على طرح وجهات نظر جديدة(مختلفة ومتناقضة) ,وأفكار جديدة غير التي إعتاد المجتمع على السير والعيش بحسبها , (أي الترويج لايدولوجيا جديدة أو عصرية )كما يحلوا لوسائل الإعلام تسميتها .
3- محاولة الاستحواذ على اهتمام المشاهد منذ البداية عن طريق الصورة والموضوع والصوت والمؤثرات الخاصة , بهدف تحفيز المشاهد على التفكير في اتخاذ إجراءات عملية تساعد في حل المشكلة المطروحة في الوثائقي .
4- إضافة اللمسات الإنسانية على مادة الموضوع لتحريك انفعالات ومشاعر الناس ولإيجاد الاندماج الحسي مع ما يُشاهد .فضلا عن عمل المقارنات في النواحي التاريخية ,أو الدينية أو الحضارية ليصل بالمشاهد إلى استنتاج الفرق الكبير بين الماضي(القديم ) والحاضر(العصري) .
الخلاصة :
عندما تبدأ شارة البرنامج وتتعلق أنظارنا بالشاشة ,فإن أول ما يجب أن يجول في خاطرنا بأن ما نشاهده ليس مجرد لحظات من المتعة وتمضية الوقت , بل إن ثمة رسائل ضمنية يحملها البرنامج الوثائقي عبر مؤثراته الخاصة و لغته الفنية والقصة التي يحكيها , وكما سبق وأسلفنا فإن الواقع يؤكد أن صناعة الإعلام تم بناؤها على أساس ابتلاع المشاهد لما يراه دون تقويم أو نقد ولكن كإعلاميين علينا ان ندرك بأن الفيلم الوثائقي يعبر دائما عن رؤية فكرية معينة .بحيث يتم دمج فنون الصوت والصورة وبراعة صياغة النص والأداء في عمل ذو سيناريو محكم ,يعمل على تنفيذه فريق عمل متخصص ,يهدف إلى مخاطبة عقل وإحساس المشاهد بلغة متوازنة تجمع بين الواقع والعاطفة في إيصال الرسالة للجمهور ليترك لديهم انطباعا قوياً ويحفزهم لتغيير أو اتخاذ موقف معين أو تعزيز موقف معين تجاه قضية معينة.
(كيفية تلقيه و استعماله إعلاميا)
قد يكون من قبيل التزييفِ, الحديثُ عن إعلامٍ حر أو مستقل، فكلّ وسيلةٍ إعلاميةٍ تروِّج لسياسةٍ معينةٍ سواءٌ أكان لِجماعةٍ ما ,أو مريدِ سلطةٍ ما، أو صاحبِ سلطةٍ يريد تشكيلَ الرأيِ العامِّ حسَبَ رؤيتِه و مصالِحِه، و هذا ما يجري الآن في كلِّ وسائلِ الإعلام على مختلفِ أشكال التعبيرِ الأدبي و الفني , إذ يعتبر الإنتاج الإعلامي (دراما ,وأفلام روائية ,وتقارير إخبارية ,وأفلام وثائقية وغيرها ) لصيقا بمشروعٍ سياسي ما سواءٌ أكانَ عن قناعة من صاحبه أو عن طمعٍ أو وظيفةٍ يؤديها.وفي هذا الإطار تأتي الأفلام الوثائقية لتكتسب أهمية بالغة, حين أيقن القائمون على وسائل الإعلام أنها وسيلة فعالة لإيجاد أرضية خصبة للتأثير و للتعبير عن وجهة نطره فنجد دولا ومؤسسات تتنافس وبضراوة لريادة هذا القطاع والذي أصبح قادرا على التحكم في عقول البشر وتوجيههم .
إنها صناعة التأثير بالصوت والصورة ,صناعة باتت تنافس الكلمة ورسائل كثيرة مخفية بين طيات الكثير من البرامج ,تعيد برمجة الإنسان على مفاهيم جديدة وهو لا يعلم, إلا من تيقظ وفطن لضراوة هذه اللعبة وأهدافها , إنها صناعة الأفلام التسجيلية أو " الوثائقية" .
تتنوع الأفلام التسجيلية(الوثائقية) ليس فقط في موضوعاتها بل في مناهجها وتوجهاتها ,فقد عرضت أفلام وصفية وتحليلية إضافة إلى أفلام عن الإعلام وأخرى عن البسطاء ,وعرضت أفلام عن التنمية و أخرى عن الثورات وحركات التحرر , وأخرى في النقد الاجتماعي وغيرها وفي الوقت نفسه ترسخت للأفلام التسجيلية خصائص عامة ,بداية من منهجها في المعايشة والملاحظة ,ثم في الإبقاء وانتهاء باكتشاف او دراسة الجنس البشري ,مرورا بميدانها وهو الحياة الواقعية ,ومادتها حياة الإنسان .
الفيلم التسجيلي (الوثائقي ):المفهوم الانجليزي لهذا النوع من الأفلام التسجيلية الوثائقية documentary film لا يكتفي بتسجيل الحقيقة وحدها(توثيقها) , وإنما يضيف إليها الرأي أيضا .
ويُعرف الفيلم التسجيلي (الوثائقي ) بحسب الاتحاد الدولي للسينما " بأنه كافة أساليب التسجيل على فيلم لأي مظهر للحقيقة ,يعرض إما بوسائل التصوير المباشر أو بإعادة بنائه بصدق وذلك لحفز المشاهد إلى عمل شئ أو لتوسيع مدارك المعرفة والفهم الإنساني أو لوضع حلول واقعية لمختلف المشاكل في عالم الاقتصاد ,الثقافة , أو العلاقات الإنسانية "
خصائص وميزات الفيلم التسجيلي(الوثائقي) :
1- اعتماده على التنقل والملاحظة والانتقاء من الحياة نفسها ,فهو لا يعتمد على موضوعات مؤلفة وممثلة في بيئة مصطنعة كما في الفيلم الروائي , بمعنى انه يعتمد أساسا على الواقع في مادته وفي تنفيذه ,وأهدافه.
2- أشخاص الفيلم التسجيلي (الوثائقي )ومناظره يختارون من الواقع الحي فلا يعتمد على ممثلين محترفين ولا على مناظر صناعية مفتعلة داخل الأستوديو,
3- يخاطب في العادة فئة او مجموعة مستهدفة من الجماهير ,وإثناء الإعداد (الإنتاج )يحدد الجمهور المستهدف لهذا الفيلم وعلى أساس خصائصهم يكون أسلوب المعالجة ,وحجم ونوعية المعلومات وكيفية تناولها وتقديمها والمستوى اللغوي المصاحب للفيلم أو للحوار القائم بين شخصياته ..
إن أهم ما يميز الفيلم الوثائقي بشكل عام دون سائر أدوات الإعلام الأخرى هو عملية دمج الوسائل مع بعضها البعض ,فالصورة موجودة وهي متحركة والصوت والكلمات موجدين أيضا في إطار يمكن وضع أي رسالة إعلامية داخله وهذا النوع قادر على النفاذ إلى إدراك المشاهد بشكل أسرع .
إذاً فالإعداد لبرنامج وثائقي يشمل دمج العديد من العناصر في وحدة واحدة ,فمن النص المكتوب إلى الصورة والمؤثرات المرافقة ,والموسيقى والتعليق المصاحب وغيرها , وبمعنى آخر" الإعداد المؤثر" لفكرة خاصة تعبر عن رؤية الوسيلة الإعلامية أو معد البرنامج ,يتم معالجتها بطريقة مدروسة تخاطب مشاعر وعقول المتلقين وتثير اهتماماتهم بهدف إيصال رسالة معينة ,تكون هيكل البرنامج الوثائقي , سعيا لإيجاد الأرضية المناسبة للتأثير .
ويعتمد وصول الرسالة الإعلامية بالشكل المطلوب للبرنامج الوثائقي على قدرات وسيلة الإعلام ومعد البرنامج في فهم طبيعة المتلقين للرسالة الإعلامية ( المعتقدات, بنية المجتمع ,وثقافته ,وآرائه السياسية ...الخ) وقدرته على إقناعهم بالحجج والبراهين .
وفي هذا الإطار يعتبر بعض رجال الإعلام والنقاد, البرامج الوثائقية أنجع أشكال المعلومات والأخبار وأفضلها تأثيرا,في الجوانب السياسية , الاجتماعية والاقتصادية كونها تقدم المعلومات مقرونة بمفاهيم ووجهات النظر ,بل قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى بناء مواقف معينة , وتشكيل أراء لأحداث معينة ,وقد تصل إلى تبني تشريعات وقوانين تعالج قضايا مختلفة بناء على الرسالة التي حواها و تناولها الفيلم الوثائقي.
وعلى سبيل المثال يقول مدير شركة هوت سبوت (Hot Spot Films) د. اسعد طه : "نحن بحاجة في هذه الفترة بالذات إلى الفيلم الوثائقي للتعرف على الآخر سواء كان خصما ,نبالغ أحيانا في العداء له دون أن نفهمه حق الفهم , أو كان صديقا له تجاربه النضالية التي نحن بحاجة إليها " ولذلك يمكن القول أن قناة الجزيرة تنبهت لهذا الأمر فقامت بتأسيس قناة الوثائقية والتي تبث أفلاما وثائقية على مدار الساعة في شتى الموضوعات والمجالات, وتعتبر شركة هوت سبوت لإنتاج الأفلام الوثائقية أحد اكبر ممولين قناة الجزيرة بالأفلام التسجيلية كماً وكيفاً حيث كانت آسيا وأفريقيا وأوروبا فضلا عن العالم العربي ساحة لإنتاجها. وفي هذا السياق أيضا لا يمكننا إغفال كيف فرضت أحداث 11-9 على الإدارة الأمريكية بالعمل على تحريك منظومتها الإعلامية بكل إمكانياتها للدفاع عن روايتها للأحداث من خلال إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية , حيث تمحورت دراما هذه الأفلام حول فكرة واحدة وهي بشاعة وقسوة خاطفي الطائرة العرب وبسالة الركاب الذين قاوموا محاولة الاختطاف بشجاعة؛ وهو ما أفضى في النهاية لسقوط الطائرة بهذا الشكل المفجع!.
ومن هذه الأفلام على سبيل الذكر فيلم "الطائرة التي قاومت" من إنتاج محطة ديسكفري للأفلام الوثائقية، وفيلم "الرحلة رقم 93" الذي حصد جائزة من لجنة "إيمي" للتحكيم الفني.
وكان من ضمن ما تم إعداده فيلم "الطريق إلى 9/11"، ويستعرض الفيلم بشكل درامي جميع الهجمات والتهديدات الإرهابية ضد مركز التجارة العالمي بنيويورك منذ تفجير عام 1993 وحتى انهيار الأبراج في عام 2001.
يجد المتابع أن هوليوود جاءت على رأس أولويات الإدارة الأمريكية بعد وقوع الكارثة بأقل من شهر واحد، حيث كوّنت لجنة من 40 خبيرا فنيا لدراسة سبل توظيف صناعة السينما لدعم الحرب على الإرهاب.
حتى البرامج الوثائقية العلمية لا تخرج عن إطار التضليل المتعمد ,كتلك التي تبحث في نشأة الإنسان وتكوينه من مثل طرح موضوع التطور الدارويني على انه حقائق علمية وان الحيوان الفلاني طور أعضاء جديدة في جسده ليلاءم ظروفا جديدة وان الحيوان الفلاني كان أصله كذا ثم طور نفسه إلى كذا ,فضلا عن بحثهم مسألة نشأة الكون وحديثهم عن انفجارات ضخمة حصلت قبل ملايين السنين,في محاولة منهم لإثبات نظريات وأراء تنفي ان وراء الكون والإنسان والحياة خالقاً خلقها .
إن موضوع البرنامج الوثائقي ليس الواقعة الواحدة أو الحدث المحدود والملموس ,أي موضوع الخبر إنما هو سلسلة من الوقائع التي تشكل اتجاه أو نزعة أو ظاهرة أو تطورا سياسيا أو اجتماعيا , وإذا كانت الأخبار تنقل الواقعة الواحدة المستقلة أو الحادث الفردي فإن الوثائقي يقوم على أساس توثيق الوقائع ولا يقتصر على معالجة الوقائع المنفصلة , بل مجموعة من الوقائع المتعلقة بالقضية المطروحة . فإذا كان "الخبر" على سبييل المثال : هو سقوط طائرة فإن قضية "الوثائقي " هي ظاهرة سقوط الطائرات .
إذاً فموضوع الوثائقي هو ظاهرة أو قضية ذات اهتمام خاص بالنسبة لوسائل الإعلام وقد تكون ذات أهمية كبيرة للرأي العام ,ومعالجة هذه القضية أو الظاهرة تكون تحليلية حيث تتم عملية دراسة وفحص الموضوع وإعادة صياغته في مختبرات ومطابخ الإعلام بما يتناسب وطبيعة الجمهور وإمكانياته ومعتقداته وأرائه لكي يحدث الأثر المطلوب والذي هو غاية الإعلام .
وبما أننا نتكلم عن الغاية فإن القائمين على البرامج الوثائقية لتحقيق غاياتهم يراعون في إعدادات مواضيعهم وبرامجهم ما يلي :
1- طرح قضايا فكرية وسياسية واجتماعية مثيرة للجدل والنقاش وتثير تساؤلات كثيرة .
2- التركيز على طرح وجهات نظر جديدة(مختلفة ومتناقضة) ,وأفكار جديدة غير التي إعتاد المجتمع على السير والعيش بحسبها , (أي الترويج لايدولوجيا جديدة أو عصرية )كما يحلوا لوسائل الإعلام تسميتها .
3- محاولة الاستحواذ على اهتمام المشاهد منذ البداية عن طريق الصورة والموضوع والصوت والمؤثرات الخاصة , بهدف تحفيز المشاهد على التفكير في اتخاذ إجراءات عملية تساعد في حل المشكلة المطروحة في الوثائقي .
4- إضافة اللمسات الإنسانية على مادة الموضوع لتحريك انفعالات ومشاعر الناس ولإيجاد الاندماج الحسي مع ما يُشاهد .فضلا عن عمل المقارنات في النواحي التاريخية ,أو الدينية أو الحضارية ليصل بالمشاهد إلى استنتاج الفرق الكبير بين الماضي(القديم ) والحاضر(العصري) .
الخلاصة :
عندما تبدأ شارة البرنامج وتتعلق أنظارنا بالشاشة ,فإن أول ما يجب أن يجول في خاطرنا بأن ما نشاهده ليس مجرد لحظات من المتعة وتمضية الوقت , بل إن ثمة رسائل ضمنية يحملها البرنامج الوثائقي عبر مؤثراته الخاصة و لغته الفنية والقصة التي يحكيها , وكما سبق وأسلفنا فإن الواقع يؤكد أن صناعة الإعلام تم بناؤها على أساس ابتلاع المشاهد لما يراه دون تقويم أو نقد ولكن كإعلاميين علينا ان ندرك بأن الفيلم الوثائقي يعبر دائما عن رؤية فكرية معينة .بحيث يتم دمج فنون الصوت والصورة وبراعة صياغة النص والأداء في عمل ذو سيناريو محكم ,يعمل على تنفيذه فريق عمل متخصص ,يهدف إلى مخاطبة عقل وإحساس المشاهد بلغة متوازنة تجمع بين الواقع والعاطفة في إيصال الرسالة للجمهور ليترك لديهم انطباعا قوياً ويحفزهم لتغيير أو اتخاذ موقف معين أو تعزيز موقف معين تجاه قضية معينة.