المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرأي وذو اليديْن يتفوق على القادة والراشديْن


طارق الجعبري
19-04-2010, 11:50 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الرأي وذو اليديْن يتفوق على القادة والراشديْن
ذو اليدين صحابي جليل مغمور ،تفوق على الراشديْن ابي بكر وعمر في موقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم فخلد اسم ذو اليديْن إلى يوم الدين ،من منا لا يعرف أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ،ولكن من مّنا يعرف الصحابي (ذو اليديْن ).هم صحابة سطروا في موقف أو رأي فصولا ومحطات لا تنسى في التاريخ ، ذو اليديْن والحباب بن المنذر وسلمان الفارسي رضي الله عنهم جميعا ،صحابة أجلاء بمواقف نافذه رائدة خالدة ،ظاهروا بموقف فأظهرهم وأدلوا برأيهم فارتفع شانهم وميزهم به إلى ما شاء رب العالمين .
ما هي المعادلة التي جمعت هؤلاء الصحابة ،وهل من موقف خاص في السيرة جمعهم فذكرهم به أهل السير ،انأ لا علم لي على وجه التأكيد أن هؤلاء الرجال ذكروا بثلاثتهم في موقف واحد ظاهر في السيرة ، لكن استقراء موقف ما ، والتفكر في حدث تاريخي رائد بادروا اليه ،موقف وحدث نستلهم منه معادلة لصناعة التاريخ ومبادرة أحرزت نصرا وفتحا ،وكلمة أعلت شانا وسجلت صاحبها باسمها في سجل خالد لا يبيد .والآن رائد مقالنا الصحابي (ذو اليديْن ) ليس في سيرته الكثير يذكر ،وما أشهر هذا الصحابي وأعلى ذكره حديث شريف سمي حديث ذو اليديْن ، ما أروعه من موقف أن يقترن حديث شريف باسم صحابي مغمور ،حديث أصبح اسم ذو اليدين عنوانا له ومعرّفا عليه ،ونص الحديث الآتي :
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إحْدَى صَلاتَيْ الْعَشِيِّ - قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : وَسَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ . وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا - قَالَ : فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ سَلَّمَ . فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ , فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى , وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ . وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا : قَصُرَتِ الصَّلاةُ - وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ . وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ , يُقَالُ لَهُ : ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَنَسِيتَ , أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاةُ ؟ قَالَ : لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ . فَقَالَ : أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ . فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ . ثُمَّ سَلَّمَ , ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ . ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ , ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ . ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ . فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ : ثُمَّ سَلَّمَ ؟ قَالَ : فَنُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ : ثُمَّ سَلَّمَ .
نحن هنا لا نريد ان نقف على شرح الحديث ،حيث شرحه الفقهاء بإسهاب وتفصيل ،واستدلوا واستنبطوا العديد من المسائل الفقهية تجاوزت تسع عشرة مسألة ،ناهيك أن هناك كتبا وفصولا ألفت حصرا على الحديث المذكور،لكني هنا وبمعيّتك أيها القارئ أود استلهام جانبا خفيا لم يذكره من قبل الفقهاء والمؤرخين ،ألا وهو الموقف الذي اتخذه الصحابي ذو اليدين والشجاعة التي قادته إلى المبادرة بالسؤال والاستفسار في حين أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما هابا الحديث والسؤال ، فهل كان موقفا فطريا سلكه ، أم سلوكا تعلمه فعرف كيف يتعلم ،بالطبع فالصحابي (ذو اليدين ) لن يكون أفضل أو اشجع من أبي بكر وعمر لكنه في هذا الموقف تفوق عليهم فأقدم هو وهاب الراشديْن وسائر الموجودين ، والنتيجة انه تحصل فائدة له ولجموع المسلمين على طول السنين ،وأبو بكر وعمر هابا الموقف والسؤال، وذو اليديْن يتفوق تفوقا موقفيا في هذا الحدث .
آما الحباب بن المنذر فمعظمنا يذكر موقفه في غزوة بدر ،أو على الأقل نعلم الحدث حول تغيير موقع المسلمين من بئر بدر وهو الرأي الذي قدمه الحباب للرسول عليه السلام ، ولكن دعونا نكمل ما بعد هذا الرأي السديد الذي تقدم به الحباب بن المنذر وكان سببا من أسباب نصر المسلمين في بدر ،فقد استحق الحباب لقبا من الصحابة عرف به وما اعزه من لقب وأندره وأغلاه ،فقد عرف واشتهر بـ (ذو الرأي ) ،انه الرأي وما له من قيمة وما أعطى من نتيجة فتغلب لقبه على اسمه بل تشرف به الصحابي لما له من فضل للمسلمين ،فهل أدركنا ما للرأي والفكر من قيمة ومكانة ،أعلمت أيها القارئ ما للرأي من قيمة لذاتك وخلودا لذكراك وحسنات يوما بعد يوم تزداد ،إذا هنا هدفنا وما نرمي إليه انه (ذو الرأي ) الرأي والنصيحة والمشورة ،فلم لا تكن أنت أيضا صاحب رأي أو صاحب الراية واختر مكانا وزمانا تقدر عليه .
أما سيدنا سلمان الفارسي رضي عنه فليس بعيدا عن ما ذكرنا سابقا وما سجله في هذه الكتيبة(كتيبة القيادة والخلود بالرأي ) ما ذكرناه سابقا للصحابة الكرام ذو اليدْين والحباب ،وقصة سلمان في غزوة الخندق معروفة ومشهورة بانت أشار على الرسول عليه السلام بحفر الخندق ،فعرف واشتهر بها فلقب سيدنا سلمان بصاحب مشورة الخندق.
فها هي مواقف كانت في الفكر قبل أن تكون في الجسد وكانت تتفاعل وتتعارك في العقل وليس في ميادين المعارك والحروب ،ومن المؤكد أن في التاريخ والسير الأسماء الكثيرة التي لها من الواقف والآراء ما كان مفصلا تاريخيا أو صنع حدثا هاما في أمة ما وبلد ما، فهي دعوة لأن ننضم إلى كتيبة الرأي والمشورة ودعوة إلى إعمال العقل وإشعال جذوة الفكر .انه الفكر والتفكر الذي حثنا الله إليه كثيرا في كتابه العزيز وساق لنا وذكرنا بآيات عظيمة تكاد تغيب عنا هيبتها لتكرارها أمامنا فاعتدنا عليها وألفناها لها كالليل والنهار والشمس والقمر وخلق البشر وغيرها من الآيات الكونية الظاهرة أمامنا الغائبة عن فكر وتفكر عقولنا،هو الفكر الذي تميز الإنسان عن غيره هو الفكر الذي تحرز به ما لا تحرزه بالعضلات ولكن هيهات هيهات ما أزهدنا نحن العرب والمسلمين اليوم في عالم الفكر .
بقلم
طارق عبد الفتاح الجعبري
الخليل
8/4/2010