المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صفات عبادالرحمن


معتز
27-07-2010, 06:38 AM
صفات عباد الرحمن<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>


بسم الله الرحمن الرحيم<o:p></o:p>

إن الحمد لله نحمده و ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم ، أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } أما بعد:<o:p></o:p>
فكم هو جميل أن يمضي المرء وقته بتدبر وتأمل كلام الله جل وعلا كيف لا وفي ذلك امتثال أمر الله واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يتدبر القرآن في صلاته يقوم بالآية يكررها حتى الصباح ويستمع لأحد أصحابه وهو يتلوا القرآن ثم يقول حسبك فيلتفت الصحابي فيجد عينا رسول الله تذرف الدموع خشوعا مع كلام الله ومما يعين على التدبر الإطلاع على كلام أهل التفسير وهأنا أضع ما يسر لي في هذا الموضوع عسى الله ينفعني به ويجعلنا من أهل القرآن إنه ولي ذلك والقادر عليه<o:p></o:p>
قال تعالى { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } .<o:p></o:p>
قال ابن سعدي رحمه الله كرر تعالى في هذه السورة الكريمة قوله: { تَبَارَكَ } ثلاث مرات لأنها تدل على عظمة الباري وكثرة أوصافه، وكثرة خيراته وإحسانه.<o:p></o:p>
وهذه السورة فيها من الاستدلال على عظمته وسعة سلطانه ونفوذ مشيئته وعموم علمه وقدرته وإحاطة ملكه في الأحكام الأمرية والأحكام الجزائية وكمال حكمته. وفيها ما يدل على سعة رحمته وواسع جوده وكثرة خيراته الدينية والدنيوية ما هو مقتض لتكرار هذا الوصف الحسن فقال: { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا } وهي النجوم عمومها أو منازل الشمس والقمر التي تنزلها منزلة منزلة وهي بمنزلة البروج والقلاع للمدن في حفظها، كذلك النجوم بمنزلة البروج المجعولة للحراسة فإنها رجوم للشياطين. وقال في الجلالين بُرُوجًا أي اثني عشر: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، وهي منازل الكواكب السبعة السيارة: المَرِّيخ: وله الحَمَل والعَقْرب، والزهَرة: ولها الثَّور والميزان، وعُطارِد: وله الجَوْزاء والسنبُلة، والقمر: وله السرَطان، والشمس: ولها الأسَد، والمشتري: وله القَوْس والحُوت، وزحَل: وله الجَدْي والدلْو <o:p></o:p>
{ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا }قال ابن سعدي رحمه الله فيه النور والحرارة وهو الشمس. <o:p></o:p>
{ وَقَمَرًا مُنِيرًا } فيه النور لا الحرارة وهذا من أدلة عظمته، وكثرة إحسانه، فإن ما فيها من الخلق الباهر والتدبير المنتظم والجمال العظيم دال على عظمة خالقها في أوصافه كلها، وما فيها من المصالح للخلق والمنافع دليل على كثرة خيراته.<o:p></o:p>
{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } أي: يذهب أحدهما فيخلفه الآخر، هكذا أبدا لا يجتمعان ولا يرتفعان، { لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } أي: لمن أراد أن يتذكر بهما ويعتبر ويستدل بهما على كثير من المطالب الإلهية ويشكر الله على ذلك، ولمن أراد أن يذكر الله ويشكره وله ورد من الليل أو النهار، فمن فاته ورده من أحدهما أدركه في الآخر، وأيضا فإن القلوب تتقلب وتنتقل في ساعات الليل والنهار فيحدث لها النشاط والكسل والذكر والغفلة والقبض والبسط والإقبال والإعراض، فجعل الله الليل والنهار يتوالى على العباد ويتكرران ليحدث لهم الذكر والنشاط والشكر لله في وقت آخر، ولأن أوراد العبادات تتكرر بتكرر الليل والنهار، فكما تكررت الأوقات أحدث للعبد همة غير همته التي كسلت في الوقت المتقدم فزاد في تذكرها وشكرها، فوظائف الطاعات بمنزلة سقي الإيمان الذي يمده فلولا ذلك لذوى غرس الإيمان ويبس. فلله أتم حمد وأكمله على ذلك.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا"الفرقان 63 أي الذين يمشون علي الأرض بسكينة ووقار دون تكبر ، <o:p></o:p>
و قال ابن سعدي رحمه الله العبودية لله نوعان: عبودية لربوبيته فهذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، فكلهم عبيد لله مربوبون مدبرون { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } <o:p></o:p>
وعبودية لألوهيته وعبادته ورحمته وهي عبودية أنبيائه وأوليائه وهي المراد هنا ولهذا أضافها إلى اسمه " الرحمن " إشارة إلى أنهم إنما وصلوا إلى هذه الحال بسبب رحمته، فذكر أن صفاتهم أكمل الصفات ونعوتهم أفضل النعوت، فوصفهم بأنهم { يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا } أي: ساكنين متواضعين لله والخلق فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده. { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ } أي: خطاب جهل بدليل إضافة الفعل وإسناده لهذا الوصف، { قَالُوا سَلامًا } أي: خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من الإثم ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله. وهذا مدح لهم، بالحلم الكثير ومقابلة المسيء بالإحسان والعفو عن الجاهل ورزانة العقل الذي أوصلهم إلى هذه الحال.<o:p></o:p>
قال القرطبي رحمه الله فيها ثلاث مسائل : <o:p></o:p>
المسألة الأولى : قوله : { هونا } الهون : هو الرفق والسكون ، وذلك يكون بالعلم والحلم والتواضع ، لا بالمرح والكبر ، والرياء والمكر ، وفي معناه قلت : <o:p></o:p>
تواضعت في العلياء والأصل كابر وحزت نصاب السبق بالهون في الأمر سكون فلا خبث السريرة أصله وجل سكون الناس من عظم المكر <o:p></o:p>
وقد قال صلى الله عليه وسلم : { أيها الناس ، عليكم بالسكينة ، فإن البر ليس في الإيضاع } . وكان عمر بن الخطاب يسرع جبلة لا تكلفا . والقصد والتؤدة وحسن الصمت من أخلاق النبوة . <o:p></o:p>
وقد قيل : معناه يمشون رفقا من ضعف البدن ، قد براهم الخوف ، وأنحلتهم الخشية ، حتى صاروا كأنهم الفراخ . <o:p></o:p>
المسألة الثانية : قوله تعالى { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } <o:p></o:p>
اختلف في الجاهلين على قولين : أحدهما : أنهم الكفار . الثاني : أنهم السفهاء . <o:p></o:p>
المسألة الثالثة : قوله تعالى : { سلاما } <o:p></o:p>
فيه وجهان : أحدهما : أنه بمعنى حسن وسداد . <o:p></o:p>
الثاني : أنه قول سلام عليكم . قال سيبويه : لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ، ولكنه على معنى قولهم : [ تسلمنا منكم ] ولا خير بيننا ولا شر .<o:p></o:p>
قال الفقيه القاضي أبو بكر رحمه الله : ولا نهوا عن ذلك ، بل أمروا بالصفح والهجر الجميل ، وقد كان من سلف من الأمم في دينهم التسليم على جميع الأمم . <o:p></o:p>
وقد اتفق الناس على أن السفيه من المؤمنين إذا جفاك يجوز أن تقول له سلام عليك . وهل وضع السلام في أحد القولين إلا على معنى السلامة والتواد ؟ <o:p></o:p>
كأنه يقول له : سلمت مني ، فأسلم منك<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
"وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا"الفرقان63<o:p></o:p>
أي هم أيضاً الذين يبيتون في الليل ساجدين لله ، قائمين يصلون صلاة التهجد ؛ لأن ذلك أبعد عن الرياء وأكثر خشوعاً فإذا جنَّـهم الليل واختلط الظلام وفـُرشت الفرش ونصبت الأسرة وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إلي أقدامهم وافترشوا إلي وجوههم"<o:p></o:p>
والعبد بين يدي الله له موقفان : موقف بين يديه في الصلاة وموقف بين يديه يوم لقائه ، فمن قام بحق الموقف الأول هون عليه الموقف الأخر ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه شدد عليه ذلك الموقف <o:p></o:p>
قال ابن سعدي رحمه الله{ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا } أي: يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم متذللين له كما قال تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.قال القرطبي وقال ابن عباس: من صلى ركعتين أو أكثر بعد العشاء فقد بات لله ساجدا وقائما.وقال الكلبى: من أقام ركعتين بعد المغرب وأربعا بعد العشاء فقد بات ساجدا وقائما.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
" وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا"65 <o:p></o:p>
وقد دعوا ربهم أيضاً قائلين ربنا اصرف عنا عذاب جهنم ، إن عذابها كان لازماً دائماً وقال ابن سعدي { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ } أي: ادفعه عنا بالعصمة من أسبابه ومغفرة ما وقع منا مما هو مقتض للعذاب. { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا } أي: ملازما لأهلها بمنزلة ملازمة الغريم لغريمه.<o:p></o:p>
{ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } وهذا منهم على وجه التضرع لربهم، وبيان شدة حاجتهم إليه وأنهم ليس في طاقتهم احتمال هذا العذاب، وليتذكروا منة الله عليهم، فإن صرف الشدة بحسب شدتها وفظاعتها يعظم وقعها ويشتد الفرح بصرفها.<o:p></o:p>
قال القرطبي (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم) أي هم مع طاعتهم مشفقون خائفون وجلون من عذاب الله.قال ابن عباس: يقولون ذلك في سجودهم وقيامهم.(إن عذابها كان غراما) أي لازما دائما غير مفارق.<o:p></o:p>
ومنه سمى الغريم لملازمته.<o:p></o:p>
وقال الحسن: قد علموا أن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم.<o:p></o:p>
وقال الزجاج: الغرام أشد العذاب.وقال ابن زيد: الغرام الشر.<o:p></o:p>
وقال أبو عبيدة: الهلاك.والمعنى واحد.<o:p></o:p>
وقال محمد بن كعب: طالبهم الله تعالى بثمن النعيم في الدنيا فلم يأتوا به، فأغرمهم ثمنها بإدخالهم النار.(إنها ساءت مستقرا ومقاما) أي بئس المستقر وبئس المقام.أي إنهم يقولون ذلك عن علم، وإذا قالوه عن علم كانوا أعرف بعظم قدر ما يطلبون، فيكون ذلك أقرب إلى النجاح.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
" وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا"الفرقان67 <o:p></o:p>
فهم الذين إذا أنفقوا شيئاً من أموالهم لم يسرفوا فالإسراف هو الخروج عن حد الاعتدال بكثرة الإنفاق ولم يقتروا وهوالتضييق في الإنفاق وكان إنفاقهم وسطاً معتدلاً ، لا زيادة فيه ولا نقص .<o:p></o:p>
وقال ابن سعدي{ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا } النفقات الواجبة والمستحبة { لَمْ يُسْرِفُوا } بأن يزيدوا على الحد فيدخلوا في قسم التبذير وإهمال الحقوق الواجبة، { وَلَمْ يَقْتُرُوا } فيدخلوا في باب البخل والشح { وَكَانَ } إنفاقهم { بَيْنَ ذَلِكَ } بين الإسراف والتقتير { قَوَامًا } يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات والنفقات الواجبة، وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي من غير ضرر ولا ضرار وهذا من عدلهم واقتصادهم.<o:p></o:p>
وقال القرطبي فيها ثلاث مسائل : المسألة الأولى : في تفسير قوله : { لم يسرفوا } فيه ثلاثة أقوال : الأول : لم ينفقوا في معصية قاله ابن عباس . <o:p></o:p>
الثاني : لم ينفقوا كثيرا قاله إبراهيم . <o:p></o:p>
الثالث : لم يتمتعوا للنعيم ، إذا أكلوا للقوة على الطاعة ، ولبسوا للسترة الواجبة ، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله يزيد بن أبي حبيب . <o:p></o:p>
وهذه الأقوال الثلاثة صحاح ، فالنفقة في المعصية حرام ، فالأكل واللبس للذة جائز ، وللتقوى والستر أفضل ، فمدح الله من أتى الأفضل ، وإن كان ما تحته مباحا . <o:p></o:p>
وإذا أكثر ربما افتقر ، فالتمسك ببعض المال أولى ، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة ولكعب <o:p></o:p>
المسألة الثانية : قوله تعالى : { ولم يقتروا } فيه قولان <o:p></o:p>
الأول : لم يمنعوا واجبا . الثاني : لم يمنعوا عن طاعة .<o:p></o:p>
المسألة الثالثة : قوله تعالى : { قواما } يعني عدلا ; وهو أن ينفق الواجب ، ويتسع في الحلال في غير دوام على استيفاء اللذات في كل وقت من كل طريق<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
"وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا"الفرقان68 وهم الذين لا يعبدون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون عمداً النفس التي حرم الله إلا بحق [وهو الكفر بعد الإيمان] و الزني من يفعل أحد هذه الثلاث يلقي في الآخرة عقاباً <o:p></o:p>
وقال ابن سعدي{ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } بل يعبدونه وحده مخلصين له الدين حنفاء مقبلين عليه معرضين عما سواه.{ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ } وهي نفس المسلم والكافر المعاهد، { إِلَّا بِالْحَقِّ } كقتل النفس بالنفس وقتل الزاني المحصن والكافر الذي يحل قتله.{ وَلَا يَزْنُونَ } بل يحفظون فروجهم { إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ } أي: الشرك بالله أو قتل النفس التي حرم الله بغير حق أو الزنا فسوف { يَلْقَ أَثَامًا } ثم فسره بقوله: { يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ } أي: في العذاب { مُهَانًا } فالوعيد بالخلود لمن فعلها كلها ثابت لا شك فيه وكذا لمن أشرك بالله، وكذلك الوعيد بالعذاب الشديد على كل واحد من هذه الثلاثة لكونها إما شرك وإما من أكبر الكبائر.<o:p></o:p>
وأما خلود القاتل والزاني في العذاب فإنه لا يتناوله الخلود لأنه قد دلت النصوص القرآنية والسنة النبوية أن جميع المؤمنين سيخرجون من النار ولا يخلد فيها مؤمن ولو فعل من المعاصي ما فعل، ونص تعالى على هذه الثلاثة لأنها من أكبر الكبائر: فالشرك فيه فساد الأديان، والقتل فيه فساد الأبدان والزنا فيه فساد الأعراض.<o:p></o:p>
قال القرطبي قوله تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) إخراج لعباده المؤمنين من صفات الكفرة في عبادتهم الاوثان، وقتلهم النفس بوأد البنات، وغير ذلك من الظلم والاغتيال، والغارات، ومن الزنى الذى كان عندهم مباحا.<o:p></o:p>
ودلت هذه الآية على أنه ليس بعد الكفر أعظم من قتل النفس بغير الحق ثم الزنى، ولهذا ثبت في حد الزنا القتل لمن كان محصنا أو أقصى الجلد لمن كان غير محصن.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
" إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا"الفرقان71-72 <o:p></o:p>
ولكن من تاب من ذنوبه في الدنيا ، وآمن بالله ورسوله وعمل بما أمر الله تعالي به وانتهي عما نهي عنه ، فأولئك يجعل في الآخرة مكان أعمالهم السيئة أعمالاً صالحة بأن يمحو عنهم المعاصي ويثبت مكانها الطاعات وكان الله كثير المغفرة والرحمة لعباده التائبين المحسنين فمن تاب توبة نصوحة تاب الله تعالي عليه <o:p></o:p>
وقال ابن سعدي{ إِلَّا مَنْ تَابَ } عن هذه المعاصي وغيرها بأن أقلع عنها في الحال وندم على ما مضى له من فعلها وعزم عزما جازما أن لا يعود، { وَآمَنَ } بالله إيمانا صحيحا يقتضي ترك المعاصي وفعل الطاعات { وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا } مما أمر به الشارع إذا قصد به وجه الله.{ فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } أي: تتبدل أفعالهم وأقوالهم التي كانت مستعدة لعمل السيئات تتبدل حسنات، فيتبدل شركهم إيمانا ومعصيتهم طاعة وتتبدل نفس السيئات التي عملوها ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة وإنابة وطاعة تبدل حسنات كما هو ظاهر الآية.<o:p></o:p>
وورد في ذلك حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه فعددها عليه ثم أبدل مكان كل سيئة حسنة فقال: : يا رب إن لي سيئات لا أراها هاهنا " والله أعلم.<o:p></o:p>
{ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا } لمن تاب يغفر الذنوب العظيمة { رَحِيمًا } بعباده حيث دعاهم إلى التوبة بعد مبارزته بالعظائم ثم وفقهم لها ثم قبلها منهم.<o:p></o:p>
قال القرطبي: فلا يبعد في كرم الله تعالى إذا صحت توبة العبد أن يضع مكان كل سيئة حسنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: " اتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ".وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لا علم آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغار ذنوبه فيقال عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق في كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له فإن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول يا رب قد عملت أشياء لا أراها ها هنا " فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه.<o:p></o:p>
وقال أبو طويل: يا رسول الله، أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئا، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا اقتطعها فهل له من توبة ؟ قال: " هل أسلمت " ؟ قال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك عبد الله ورسوله.قال: " نعم. تفعل الخيرات وتترك السيئات يجعلهن الله كلهن خيرات ".<o:p></o:p>
قال: وغدراتي وفجراتي يا نبي الله ؟ قال: " نعم ".قال: الله أكبر ! فما زال يكررها حتى توارى.<o:p></o:p>
قال ابن سعدي{ وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا } أي: فليعلم أن توبته في غاية الكمال لأنها رجوع إلى الطريق الموصل إلى الله الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه فليخلص فيها وليخلصها من شوائب الأغراض الفاسدة، فالمقصود من هذا الحث على تكميل التوبة وإيقاعها على أفضل الوجوه وأجلها ليقدم على من تاب إليه فيوفيه أجره بحسب كمالها.<o:p></o:p>
وقال القرطبي: قوله تعالى: (ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا) لا يقال: من قام فإنه يقوم، فكيف قال من تاب فإنه يتوب ؟ قال ابن عباس: المعنى من آمن من أهل مكة وهاجر ولم يكن قتل وزنى بل عمل صالحا وأدى الفرائض فإنه يتوب إلى الله متابا، أي فإني قدمتهم وفضلتهم على من قاتل النبي صلى الله عليه وسلم واستحل المحارم.وقال القفال: يحتمل أن تكون الآية الاولى فيمن تاب من المشركين، ولهذا قال: " إلا من تاب وآمن " ثم عطف عليه من تاب من المسلمين واتبع توبته عملا صالحا فله حكم التائبين أيضا.<o:p></o:p>
وقيل: أي من تاب بلسانه ولم يحقق ذلك بفعله، فليست تلك التوبة نافعة، بل من تاب وعمل صالحا فحقق توبته بالاعمال الصالحة فهو الذي تاب إلى الله متابا، أي تاب حق التوبة وهي النصوح ولذا أكد بالمصدر.<o:p></o:p>
ف " متابا " مصدر معناه التأكيد، كقوله: " وكلم الله موسى تكليما " أي فإنه يتوب إلى الله حقا فيقبل الله توبته حقا.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
"وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا"الفرقان73<o:p></o:p>
عباد الرحمن لا يشهدون الشهادة الكاذبة عمداً ولا يحضرون مجالس باطلة لأن أي حضور لأي باطل يعني الموافقة عليه لأن المـُشاهد كالمـُشارك (كالأفراح وما يحدث بها من خـُلطة ورقص وغيرها من المنكر) وإذا مروا باللغو فهم معرضين عنه أي إنهم يترفعون عن حديث اللغو من قول أو فعل ومشاركة أهله .<o:p></o:p>
وقال ابن سعدي { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } أي: لا يحضرون الزور أي: القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله والجدال الباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء والغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير، والصور ونحو ذلك، وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أولى وأحرى أن لا يقولوه ويفعلوه.<o:p></o:p>
وشهادة الزور داخلة في قول الزور تدخل في هذه الآية بالأولوية، { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ } وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم { مَرُّوا كِرَامًا } أي: نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة فربأوا بأنفسهم عنه.<o:p></o:p>
وفي قوله: { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ } إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه، ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه.<o:p></o:p>
وقال القرطبي فيها مسئلتان: الاولى - قوله تعالى: " والذين لا يشهدون الزور " أي لا يحضرون الكذب والباطل ولا يشاهدونه.<o:p></o:p>
والزور كل باطل زور وزخرف، وأعظمه الشرك وتعظيم الانداد.<o:p></o:p>
وأما من قال إنه شهادة الزور، وهي: الثانية - فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجلد شاهد الزور أربعين جلدة،ويسخم وجهه، ويحلق رأسه، ويطوف به في السوق.<o:p></o:p>
قوله تعالى: (وإذا مروا باللغو مروا كراما) اللغو ، هو كل سقط من قول أو فعل، فيدخل فيه الغناء واللهو وغير ذلك مما قاربه، وتدخل فيه سفه المشركين وأذاهم المؤمنين وذكر النساء وغير ذلك من المنكر.<o:p></o:p>
وقال مجاهد: إذا أوذوا صفحوا.وروي عنه: إذا ذكر النكاح كفوا عنه.وقال الحسن: اللغو المعاصي كلها.وهذا جامع.<o:p></o:p>
و " كراما " معناه معرضين منكرين لا يرضونه، ولا يمالئون عليه، ولا يجالسون أهله.أي مروا مر الكرام الذين لا يدخلون في الباطل.<o:p></o:p>
وروي أن عبد الله بن مسعود سمع غناء فأسرع وذهب، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لقد أصبح ابن أم عبد كريما ".<o:p></o:p>
وقيل: من المرور باللغو كريما أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
" وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا"الفرقان73 <o:p></o:p>
(والذين إذا ذكروا) وعظوا (بآيات ربهم) القرآن (لم يخروا) يسقطوا (عليها صماً وعمياناً ) بل خروا سامعين ناظرين منتفعين.فهم الذين إذا وعظوا بالقرآن ، أقبلوا عليه سامعين مبصرين منتفعين ولم يعرضوا عنه أي هم الذين تحدث الله تعالي عنهم في الحديث " وناجوني بكلامي وتملقوا إلي بإنعامي فبين صارخ وباك وبين متأوه وشاك وبين قائم وقاعد وبين راكع وساجد" فتأمل الخطاب القرآني تجد مـَلكاً له المـُلك كله الذي يسمع ويـَري ويُعاقب ويـُكرم ويُهيمن ويخلق ويرزق ويميت ويقدر ويقضي ويدبر فنتأمل كيف يُثني علي نفسه ويُمجد نفسه ويحمد نفسه وينصح عباده ويدلهم علي ما فيه سعادتهم وفلاحهم ويرغبهم فيه ؛ ويُحذرهم مما فيه هلاكهم ويتعرف عليهم بأسمائه وصفاته ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه .<o:p></o:p>
وقال السعدي { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } التي أمرهم باستماعها والاهتداء بها، { لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } أي لم يقابلوها بالإعراض عنها والصمم عن سماعها وصرف النظر والقلوب عنها كما يفعله من لم يؤمن بها ولم يصدق، وإنما حالهم فيها وعند سماعها كما قال تعالى: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } يقابلونها بالقبول والافتقار إليها والانقياد والتسليم لها، وتجد عندهم آذانا سامعة وقلوبا واعية فيزداد بها إيمانهم ويتم بها إيقانهم وتحدث لهم نشاطا ويفرحون بها سرورا واغتباطا.<o:p></o:p>
وقال القرطبي فيها مسائلتان : المسألة الأولى : قال علماؤنا : يعني الذين إذا قرءوا القرآن قرءوه بقلوبهم قراءة فهم وتثبت ، ولم ينثروه نثر الدقل ; فإن المرور عليه بغير فهم ولا تثبت صمم وعمى عن معاينة وعيده ووعده <o:p></o:p>
قال بعضهم : إن من سمع رجلا وهو يصلي يقرأ سجدة فسجد ، وهي : المسألة الثانية : فليسجد معه ; لأنه سمع آيات الله تتلى عليه ، وهذا لا يلزم إلا للقارئ وحده ، وأما غيره فلا يلزمه ذلك إلا في مسألة واحدة ، وهي أن الرجل إذا تلا القرآن ، وقرأ السجدة ; فإن كان الذي جلس معه جلس إليه ليسمعه فليسجد معه ، وإن لم يلتزم السماع معه فلا سجود عليه . <o:p></o:p>
وقيل : معنى الآية في الذين لا يعتبرون اعتبار الإيمان ، ولا يصدقون بالقرآن ، والكل محتمل أن يراد به ، إلا أنه تختلف أحوالهم بحسب اختلاف اعتقادهم وأعمالهم .<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
"وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا"الفرقان74 أي والذين يدعون قائلين : ربنا أعطنا من أزواجنا وأولادنا ما تقر به عيوننا ، أي تسر به نفوسنا بتوفيقهم للطاعة والصلاح والفضيلة ، واجعلنا قدوة في الخير وهذا دليل علي مشروعية طلب الرئاسة الدينية للقيام بموجبها ، لا للفخر بها. "بعيني ما يتحملون من أجلي ، وبسمعي ما يشتكون من حبي"<o:p></o:p>
فأوحي الله تعالي إلي داود:-يا داود ، بلغ أهل رضائي أني حبيب لمن أحبني ، وجليس لمن جالسني ، وأنيس لمن أنس بذكري ، وصاحب لمن صاحبني ، ومختار لمن اختارني، ومطيع لمن أطاعني<o:p></o:p>
وقال ابن سعدي{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا } أي: قرنائنا من أصحاب وأقران وزوجات، { وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } أي: تقر بهم أعيننا.<o:p></o:p>
وإذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من هممهم وعلو مرتبتهم أنهم لا تقر أعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم عالمين عاملين وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم فإنه دعاء لأنفسهم لأن نفعه يعود عليهم ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم فقالوا: { هَبْ لَنَا } بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين لأن بصلاح من ذكر يكون سببا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم وينتفع بهم.<o:p></o:p>
{ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } أي: أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين وهي درجة الإمامة في الدين وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم يقتدى بأفعالهم، ويطمئن لأقوالهم ويسير أهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون.<o:p></o:p>
ومن المعلوم أن الدعاء ببلوغ شيء دعاء بما لا يتم إلا به، وهذه الدرجة -درجة الإمامة في الدين- لا تتم إلا بالصبر واليقين كما قال تعالى: { وَجَعَلْنَاهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } فهذا الدعاء يستلزم من الأعمال والصبر على طاعة الله وعن معصيته وأقداره المؤلمة ومن العلم التام الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين، خيرا كثيرا وعطاء جزيلا وأن يكونوا في أعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل.<o:p></o:p>
وقال القرطبي فيها مسألتان : <o:p></o:p>
المسألة الأولى : قوله : { قرة أعين } معناه أن النفوس تتمنى ، والعيون تمتد إلى ما ترى من الأزواج والذرية ، حتى إذا كانت عنده زوجة اجتمعت له فيها أمانيه من جمال وعفة ونظر وحوطة ، أو كانت عنده ذريته محافظين على الطاعة ، معاونين له على وظائف الدين والدنيا ، لم يلتفت إلى زوج أحد ، ولا إلى ولده ، فتسكن عينه عن الملاحظة ، وتزول نفسه عن التعلق بغيرها ; فذلك حين قرة العين وسكون النفس . <o:p></o:p>
المسألة الثانية : قوله { واجعلنا للمتقين إماما معناه قدوة } <o:p></o:p>
كان ابن عمر يقول في دعائه : " اللهم اجعلنا من أئمة المتقين " . <o:p></o:p>
وقال عمر بن الخطاب : " إنكم أيها الرهط أئمة يقتدى بكم " . وذلك ; لأنهم اقتدوا بمن قبلهم فاقتدى بهم من بعدهم . <o:p></o:p>

<o:p></o:p>
-" أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا"الفرقان75<o:p></o:p>
فهم الذين يجزون الغرفة أي أعلي المنازل في الجنة وأفضلها بسبب صبرهم علي مشاق الطاعة وتجنب المعاصي ويلقون في الدرجة الرفيعة تحية من الملائكة وسلاما ماكثين فيها بكل النعيم الدائم<o:p></o:p>
فأهل الجنة قالوا: إنما نحن عبيدك ، فإن أمرتنا سارعنا إلي الإجابة ، وإن نهيتنا أمسكنا نفوسنا وكففناها عما نهيتنا عنه ، وإن أعطيتنا حمدناك وشكرناك ، وإن منعتنا تضرعنا إليك وذكرناك ، فليس هؤلاء وبين الجنة إلا ستر الحياة الدنيا.<o:p></o:p>
فالله لا إله غيره ، كتبت الرحمة علي نفسه . وقضى بالعفو والمغفرة لمن استغفر، يغفر الذنوب جميعاً ، صغيرها وكبيرها ولا يكبر ذلك عليه ولا يتعاظمه، فلا تـُلقوا بأيديكم إلي التهلكة ولا تقنطوا من رحمة الله، <o:p></o:p>
وقال ابن سعدي و لما كانت هممهم ومطالبهم عالية كان الجزاء من جنس العمل فجازاهم بالمنازل العاليات فقال: { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا } أي: المنازل الرفيعة والمساكن الأنيقة الجامعة لكل ما يشتهى وتلذه الأعين وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا كما قال تعالى: { وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } ولهذا قال هنا { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا } من ربهم ومن ملائكته الكرام ومن بعض على بعض ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات.<o:p></o:p>
والحاصل: أن الله وصفهم بالوقار والسكينة والتواضع له ولعباده وحسن الأدب والحلم وسعة الخلق والعفو عن الجاهلين والإعراض عنهم ومقابلة إساءتهم بالإحسان وقيام الليل والإخلاص فيه، والخوف من النار والتضرع لربهم أن ينجيهم منها وإخراج الواجب والمستحب في النفقات والاقتصاد في ذلك - وإذا كانوا مقتصدين في الإنفاق الذي جرت العادة بالتفريط فيه أو الإفراط، فاقتصادهم وتوسطهم في غيره من باب أولى- والسلامة من كبائر الذنوب والاتصاف بالإخلاص لله في عبادته والعفة عن الدماء والأعراض والتوبة عند صدور شيء من ذلك، وأنهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية ولا يفعلونها بأنفسهم وأنهم يتنزهون من اللغو والأفعال الردية التي لا خير فيها، وذلك يستلزم مروءتهم وإنسانيتهم وكمالهم ورفعة أنفسهم عن كل خسيس قولي وفعلي، وأنهم يقابلون آيات الله بالقبول لها والتفهم لمعانيها والعمل بها، والاجتهاد في تنفيذ أحكامها، وأنهم يدعون الله تعالى بأكمل الدعاء، في الدعاء الذي ينتفعون به، وينتفع به من يتعلق بهم وينتفع به المسلمون من صلاح أزواجهم وذريتهم، ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم لأن من حرص على شيء ودعا الله فيه لا بد أن يكون متسببا فيه، وأنهم دعوا الله ببلوغ أعلى الدرجات الممكنة لهم وهي درجة الإمامة والصديقية.<o:p></o:p>
فلله ما أعلى هذه الصفات وأرفع هذه الهمم وأجل هذه المطالب، وأزكى تلك النفوس وأطهر تلك القلوب وأصفى هؤلاء الصفوة وأتقى هؤلاء السادة"<o:p></o:p>
ولله، فضل الله عليهم ونعمته ورحمته التي جللتهم، ولطفه الذي أوصلهم إلى هذه المنازل.<o:p></o:p>
ولله، منة الله على عباده أن بين لهم أوصافهم، ونعت لهم هيئاتهم وبين لهم هممهم، وأوضح لهم أجورهم، ليشتاقوا إلى الاتصاف بأوصافهم، ويبذلوا جهدهم في ذلك، ويسألوا الذي من عليهم وأكرمهم الذي فضله في كل زمان ومكان، وفي كل وقت وأوان، أن يهديهم كما هداهم ويتولاهم بتربيته الخاصة كما تولاهم.<o:p></o:p>
فاللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بك، لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا ولا نقدر على مثقال ذرة من الخير إن لم تيسر ذلك لنا، فإنا ضعفاء عاجزون من كل وجه.<o:p></o:p>
نشهد أنك إن وكلتنا إلى أنفسنا طرفة عين وكلتنا إلى ضعف وعجز وخطيئة، فلا نثق يا ربنا إلا برحمتك التي بها خلقتنا ورزقتنا وأنعمت علينا بما أنعمت من النعم الظاهرة والباطنة وصرفت عنا من النقم، فارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك فلا خاب من سألك ورجاك.<o:p></o:p>
ولما كان الله تعالى قد أضاف هؤلاء العباد إلى رحمته واختصهم بعبوديته لشرفهم وفضلهم ربما توهم متوهم أنه وأيضا غيرهم فلم لا يدخل في العبودية؟<o:p></o:p>
فأخبر تعالى أنه لا يبالي ولا يعبأ بغير هؤلاء وأنه لولا دعاؤكم إياه دعاء العبادة ودعاء المسألة ما عبأ بكم ولا أحبكم فقال: { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} أي: عذابا يلزمكم لزوم الغريم لغريمه وسوف يحكم الله بينكم وبين عباده المؤمنين.<o:p></o:p>
وفي الختام أسأل أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ماينفعنا وأن يجعله حجة لنا لاعلينا إنه خير مسئول<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>

المراجع<o:p></o:p>


من مواقع في الإنترنت<o:p></o:p>


تفسير القرطبي<o:p></o:p>


تفسير السعدي<o:p></o:p>


تفسير الجلالين<o:p></o:p>

توتا 2007
27-07-2010, 01:25 PM
http://alahsaa.net/vb/mwaextraedit4/extra/75.gif

kks
28-07-2010, 01:19 AM
جزاك الله الخير ووفقك لما يحبه و يرضاه

رسالة وجد
28-07-2010, 01:22 AM
جزاك الله خيرا


تسلم يمينك

n00oo00n
28-07-2010, 02:56 AM
http://alahsaa.net/vb/mwaextraedit4/extra/66.gif

إنها جنان
29-07-2010, 01:15 AM
http://alahsaa.net/vb/mwaextraedit4/extra/03.gif

http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat2f647ba2bb.gif (http://www.nsaayat.com/up/)

ليوله
27-08-2010, 02:32 PM
يسلممممممممو رائع

الله يعطيك العافيه على المجهود

م/ نورة
27-08-2010, 05:09 PM
مشكوووووووووووووووور يامعتزااات

ورد الجولي
27-08-2010, 05:28 PM
اثابك الله
اللهم اجعلنل منهم

خيرو
27-08-2010, 09:10 PM
http://up.qatarw.com/get-5-2009-dhpk9b8i.gif

{ فَتُـونٌه ..!
24-09-2010, 05:35 AM
الله يجزاك خير

عمر الخضرجي
04-02-2013, 11:24 PM
شكرااااااااااا

عمر الخضرجي
04-02-2013, 11:25 PM
مشكووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووور

فاطمة المسلم
03-03-2013, 05:39 AM
جزاك الله خير الجزاء ووفق الى كل ما فيه خير