عواض الحارثي 1
02-08-2010, 09:19 PM
الاحبة الكرام هذه مقالة للدكتور علي الحمادي
لأستسهلن الصعب
كان كافور الإخشيدي وصاحبه عبدين أسودين، فجيء بهما إلى قطائع ابن طولون، صاحب الديار المصرية وقتئذ، ليباعا في أسواقهما، فتمنى صاحبه أن يباع لطباخ حتى يملأ بطنه بما شاء، وتمنى كافور أن يملك هذه المدينة ليحكم وينهى ويأمر، وقد بلغ كل منهما مناه، فبيع صاحب كافور لطباخ، وبيع كافور لأحد قواد المصريين فأظهر كفاءة واقتداراً.
ولما مات مولى كافور قام مقامه، واشتهر بذكائه وكمال فطنته حتى صار رأس القواد وصاحب الكلمة عند الولاة، وما زال يجد ويجتهد حتى ملك مصر والشام والحرمين.
مرّ كافور يوماً بصاحبه فرآه عند الطباخ بحالة سيئة، فقال لمن معه: لقد قعدت بهذا همته فصار كما ترون، وطارت بي همتي فصرتُ كما ترون، ولو جمعتني وإياه همة واحدة لجمعني وإياه عمل واحد.
كم نحن بحاجة إلى تأمل حال كافور وصاحبه، ذلك لأن نفراً من الناس يتفننون في لبس لباس صاحب كافور، وفي تقمص شخصيته وهمته وطموحاته، فتكون النتيجة مزيجاً من الفشل والقهر والهم والألم.
ليس ثمة شيء أيسر من جلد الذات، وإن كان ذلك حقاً، وقد يكون مطلوباً في بعض الأحيان، إذ ليس حال أمتنا بحال يثلج الصدر، فاليهود يتلاعبون بها ويضحكون على ذقون نفر من أبنائنا، والمال يركض إلى الغرب، والقرار السياسي لا بد له أن يكون منسجماً مع أو مغازلاً للقرار الغربي إن لم يكن تابعاً له، والعقول قد هاجرت إلى العم سام، والمناهج التربوية والتعليمية تعشعش عليها عناكبُ التخلف وغربان الضياع، وحقوق الإنسان المسلم مستباحة على أيدي الشرق والغرب، وما يحدث في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والشيشان وغيرها أكبر شاهد على ذلك.
لقد أثبت التاريخ أن الإنسان لا يمكن له أن يقيم حضارة أو يصنع مستقبلاً ما لم يغير من نفسه ابتداءً، ثم يسير جاداً في طريق التغيير حتى يغير مَنْ وما حوله، وليس ذلك مستحيلاً أو بعيد المنال، بل المستحيل هو ما تجعله أنت مستحيلاً.
لاستسهلن الصعب أو أبلغ المنى فما انقادت الآمال إلا لصابـر
إن البداية الحقة للنهوض وصناعة الحياة هي في الرغبة الصادقة في إحداث شيء مؤثر، وهي في القرار الحازم الذي يتخذه الإنسان من أجل التغيير.
نحن بحاجة إلى هذه النفوس التي قررت أن لا ترضخ للواقع المزري، واعتقدت أنها قادرة على السباحة عكس التيار، كما أننا بحاجة إلى ازدراء تلك النفوس المستسلمة التي لا شموخ فيها ولا سموق.
وتأمل ذلك الحوار القوي الصاعد بالمعنويات إلى عنان السماء، والذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصحابي الجليل خباب بن الأرت لما جاءه شاكياً حاله وحال المعذَّبين من الصحابة.
قال خباب: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد كان من قبلكم يُؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض، فيُجعل فيها، ثم يُؤتي بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصدُّه ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون . ( رواه البخاري)
ولقد فرَّ عبد الرحمن الداخل من الشام بعد سقوط الدولة الأموية على أيدي العباسيين، فلم يرضه ما آل إليه أمره، فأبى إلا التغيير، فكانت العاقبة أن شيّد ملكاً في قعر بلاد النصارى، وأقام حضارة إسلامية دامت أكثر من ثمانية قرون.
وفي عالم الإدارة والسياسة والمال حوادث كثيرة ونجاحات عديدة، فهذا مانديلا عاش ثمانية وعشرين عاماً في سجن في جنوب افريقيا، وكان يقود التغيير ويؤججه وهو في سجنه، حتى أخرجه حاكم جنوب افريقيا ديكلارك مرغماً من سجنه، وأصبح مانديلا هو الحاكم (بل أصبح أسطورة) والحاكم السابق اليوم في طي النسيان، فيا للعجب !!
وماليزيا مثل متميز في التغيير، حيث صممت أن تصبح دولة صناعية خلال عشر سنين (1986-1995) فغيرت من شأنها تغييراً شاملاً، واستطاعت أن تصبح كما أرادت في المدة التي رسمتها لنفسها.
ولقد تعجبت من قصة هيلين كيلر، حيث في السابع والعشرين من يونيو عام 1880 ولدت هيلين الأمريكية العمياء والصماء والخرساء، وأصبحت أحد الأمثلة البشرية في تحقيق الذات والنجاح، ليس للمعوقين فحسب، وإنما للأسوياء وللمتفوقين منهم أيضاً، بعدما تمكنت هذه المرأة من تذليل إعاقتها الثلاثية، وعاشت حياة زاخرة بالعمل والثقافة والعطاء.
وإليك قصة أخرى مثيرة وهي قصة كاشا، حيث عندما خضع رايان كاشا (21 سنة) لاختبارات الذكاء في طفولته، وتبين أن نسبة ذكائه منخفضة جداً، وقال الأطباء إنه معاق، بدأ والداه يحاولان التكيف مع مأساتهما الجديدة، ولكن رايان تغلب على إعاقته، والتحق بالجامعة، وتخرج فيها بمرتبة الشرف.
إن العملية التغييرية وصناعة الحياة تحتاج إلى عقلاء أذكياء لا يرضيهم الواقع المعوج، ولا يركنون إلى الحال الرديء، هم في حركة دائبة، لا يكل أحدهم ولا يمل إذْ التغيير والتفاعل والحركة هي شأن الأحياء، أما سكان اللحود والمقابر الذين فارقوا الدنيا وضمهم قبر ضيق موحش فهم أصحاب السكون والهمود والخمود، وصدق الدكتور يوسف القرضاوي حين قال:
قالوا السعادة في السكـون وفي الخمول وفي الخمود
في لقـمـة تـأتي إليـك بغـير مـا جـهد جهـــــيـــــد
في أن تقـول كمـا يقال فلا اعــــــتراض ولا ردود
في أن تعيـش كـما يـراد ولا تـعيش كـمـا تريـــــــــد
قلت الحيـاة هي التـحرك لا السكـون ولا الهمــــــود
وهي التـفاعـل والتطـور لا التـحجر والجـمـــــــــود
وهي التـلـذذ بالمتـاعب لا التــلــذذ بالرقــــــــــــود
هي أن تـعيـش خليـفةً في الأرض شأنك أن تسود
هـذي الحـيـاة وشـأنها مـن عهد آدم والجـــــدود
فإذا ركـنت إلى السكون فلـذ بسـكان اللـحـــــــود
/
تحياتي
طاب لي فنقلته لكم
لأستسهلن الصعب
كان كافور الإخشيدي وصاحبه عبدين أسودين، فجيء بهما إلى قطائع ابن طولون، صاحب الديار المصرية وقتئذ، ليباعا في أسواقهما، فتمنى صاحبه أن يباع لطباخ حتى يملأ بطنه بما شاء، وتمنى كافور أن يملك هذه المدينة ليحكم وينهى ويأمر، وقد بلغ كل منهما مناه، فبيع صاحب كافور لطباخ، وبيع كافور لأحد قواد المصريين فأظهر كفاءة واقتداراً.
ولما مات مولى كافور قام مقامه، واشتهر بذكائه وكمال فطنته حتى صار رأس القواد وصاحب الكلمة عند الولاة، وما زال يجد ويجتهد حتى ملك مصر والشام والحرمين.
مرّ كافور يوماً بصاحبه فرآه عند الطباخ بحالة سيئة، فقال لمن معه: لقد قعدت بهذا همته فصار كما ترون، وطارت بي همتي فصرتُ كما ترون، ولو جمعتني وإياه همة واحدة لجمعني وإياه عمل واحد.
كم نحن بحاجة إلى تأمل حال كافور وصاحبه، ذلك لأن نفراً من الناس يتفننون في لبس لباس صاحب كافور، وفي تقمص شخصيته وهمته وطموحاته، فتكون النتيجة مزيجاً من الفشل والقهر والهم والألم.
ليس ثمة شيء أيسر من جلد الذات، وإن كان ذلك حقاً، وقد يكون مطلوباً في بعض الأحيان، إذ ليس حال أمتنا بحال يثلج الصدر، فاليهود يتلاعبون بها ويضحكون على ذقون نفر من أبنائنا، والمال يركض إلى الغرب، والقرار السياسي لا بد له أن يكون منسجماً مع أو مغازلاً للقرار الغربي إن لم يكن تابعاً له، والعقول قد هاجرت إلى العم سام، والمناهج التربوية والتعليمية تعشعش عليها عناكبُ التخلف وغربان الضياع، وحقوق الإنسان المسلم مستباحة على أيدي الشرق والغرب، وما يحدث في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والشيشان وغيرها أكبر شاهد على ذلك.
لقد أثبت التاريخ أن الإنسان لا يمكن له أن يقيم حضارة أو يصنع مستقبلاً ما لم يغير من نفسه ابتداءً، ثم يسير جاداً في طريق التغيير حتى يغير مَنْ وما حوله، وليس ذلك مستحيلاً أو بعيد المنال، بل المستحيل هو ما تجعله أنت مستحيلاً.
لاستسهلن الصعب أو أبلغ المنى فما انقادت الآمال إلا لصابـر
إن البداية الحقة للنهوض وصناعة الحياة هي في الرغبة الصادقة في إحداث شيء مؤثر، وهي في القرار الحازم الذي يتخذه الإنسان من أجل التغيير.
نحن بحاجة إلى هذه النفوس التي قررت أن لا ترضخ للواقع المزري، واعتقدت أنها قادرة على السباحة عكس التيار، كما أننا بحاجة إلى ازدراء تلك النفوس المستسلمة التي لا شموخ فيها ولا سموق.
وتأمل ذلك الحوار القوي الصاعد بالمعنويات إلى عنان السماء، والذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصحابي الجليل خباب بن الأرت لما جاءه شاكياً حاله وحال المعذَّبين من الصحابة.
قال خباب: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد كان من قبلكم يُؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض، فيُجعل فيها، ثم يُؤتي بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصدُّه ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون . ( رواه البخاري)
ولقد فرَّ عبد الرحمن الداخل من الشام بعد سقوط الدولة الأموية على أيدي العباسيين، فلم يرضه ما آل إليه أمره، فأبى إلا التغيير، فكانت العاقبة أن شيّد ملكاً في قعر بلاد النصارى، وأقام حضارة إسلامية دامت أكثر من ثمانية قرون.
وفي عالم الإدارة والسياسة والمال حوادث كثيرة ونجاحات عديدة، فهذا مانديلا عاش ثمانية وعشرين عاماً في سجن في جنوب افريقيا، وكان يقود التغيير ويؤججه وهو في سجنه، حتى أخرجه حاكم جنوب افريقيا ديكلارك مرغماً من سجنه، وأصبح مانديلا هو الحاكم (بل أصبح أسطورة) والحاكم السابق اليوم في طي النسيان، فيا للعجب !!
وماليزيا مثل متميز في التغيير، حيث صممت أن تصبح دولة صناعية خلال عشر سنين (1986-1995) فغيرت من شأنها تغييراً شاملاً، واستطاعت أن تصبح كما أرادت في المدة التي رسمتها لنفسها.
ولقد تعجبت من قصة هيلين كيلر، حيث في السابع والعشرين من يونيو عام 1880 ولدت هيلين الأمريكية العمياء والصماء والخرساء، وأصبحت أحد الأمثلة البشرية في تحقيق الذات والنجاح، ليس للمعوقين فحسب، وإنما للأسوياء وللمتفوقين منهم أيضاً، بعدما تمكنت هذه المرأة من تذليل إعاقتها الثلاثية، وعاشت حياة زاخرة بالعمل والثقافة والعطاء.
وإليك قصة أخرى مثيرة وهي قصة كاشا، حيث عندما خضع رايان كاشا (21 سنة) لاختبارات الذكاء في طفولته، وتبين أن نسبة ذكائه منخفضة جداً، وقال الأطباء إنه معاق، بدأ والداه يحاولان التكيف مع مأساتهما الجديدة، ولكن رايان تغلب على إعاقته، والتحق بالجامعة، وتخرج فيها بمرتبة الشرف.
إن العملية التغييرية وصناعة الحياة تحتاج إلى عقلاء أذكياء لا يرضيهم الواقع المعوج، ولا يركنون إلى الحال الرديء، هم في حركة دائبة، لا يكل أحدهم ولا يمل إذْ التغيير والتفاعل والحركة هي شأن الأحياء، أما سكان اللحود والمقابر الذين فارقوا الدنيا وضمهم قبر ضيق موحش فهم أصحاب السكون والهمود والخمود، وصدق الدكتور يوسف القرضاوي حين قال:
قالوا السعادة في السكـون وفي الخمول وفي الخمود
في لقـمـة تـأتي إليـك بغـير مـا جـهد جهـــــيـــــد
في أن تقـول كمـا يقال فلا اعــــــتراض ولا ردود
في أن تعيـش كـما يـراد ولا تـعيش كـمـا تريـــــــــد
قلت الحيـاة هي التـحرك لا السكـون ولا الهمــــــود
وهي التـفاعـل والتطـور لا التـحجر والجـمـــــــــود
وهي التـلـذذ بالمتـاعب لا التــلــذذ بالرقــــــــــــود
هي أن تـعيـش خليـفةً في الأرض شأنك أن تسود
هـذي الحـيـاة وشـأنها مـن عهد آدم والجـــــدود
فإذا ركـنت إلى السكون فلـذ بسـكان اللـحـــــــود
/
تحياتي
طاب لي فنقلته لكم