اللمبي
13-10-2006, 11:17 PM
هذه مقالة للكاتب سمير بن عبدالرحمن الضامر يتحدث فيها عن قصور أدباء الأحساء في عدم رثاء سوق القيصرية وعدم ذكر مآثرها في تاريخ هذه المدينة الجميلة . حررت في صحيفة( اليوم ) في يوم الخميس 6 - 9 - 1427 هـ
أترك لكم حرية القراءة :
وَحْـيُ القيصرية
سمير بن عبدالرحمن الضامر
سنة مضت بل أكثر على الحادث المؤلم الذي هزَّ الأحساء وأهلها , وخلف في النفس جروحا ً لاتندمل وذاك هو حادث احتراق ( القيصرية ) أكبر سوق تاريخي واقتصادي في شرق الجزيرة العربية على مدى مئات السنين .
ليس فيما أقوله شيئا جديدا لكن السؤال : هل كان لحادث ( القيصرية ) أثر على الأدب والثقافة في الأحساء ؟! بمعنى : هل أفرز هذا الحادث نصوصا ً إبداعية وأدبية ً وثقافية ؟
لقد كتب صلاح بن هندي قصيدة ً , ودبَّـج عبدالله الخضير قطعتين أدبيتين , وكتبت ينابيع السبيعي قصيدة نبطية ً في ذلك , ومثلها الشاعرة هتـَّان , وقرأنا بعض المقالات والتحقيقات الصحفية والصور . لكن ليس هذا جوابا ً عن السؤال ! إذ ان الأدب في الأحساء لايقتصر على الأسماء السابق ذكرها , فأين الأسماء العديدة من الأدباء والأديبات ؟! وهل حادث ( القيصرية ) لم يؤثر فيهم فيكتبوا نصوصا ً إبداعية وأدبية ذات قيمة جمالية وفكرية ترصد البعد المأساوي للحادث المؤلم ؟! وماذا نسمي خفوت وندرة الكتابة تلك ؟ وأين يكمن الخلل ؟ هل هو من الكاتب ؟ أم من المجتمع ؟ أم من قلة الأنماط والأساليب الأدبية وعدم استيعابها فكرة الحادث ؟!
وربما يقول أحدهم : إن الحادث لم يأخذ بعدا ً زمنيا ً طويلا ً , ومازالت التجربة تعتمل في دواخل الأدباء والمثقفين ! وأقول ليس هذا تبريراً كافيا ً وليس حادث ( القيصرية ) هو الأول من نوعه في تاريخ الأحساء , بل سبقه العديد من الحوادث ذات الأثر النفسي والاقتصادي والاجتماعي والأمر كما هو من جانب الأدب الذي لايتفاعل مع الحوادث الطارئة على الإنسان والمجتمع , وأمثلة ذلك كثيرة . فهل استوحى الأدب العربي في الأحساء الحقب التاريخية التي مرت بها المنطقة ؛ لاسيما العصر المتأخر لحكم العثمانيين , والفتح المجيد والباهر على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله للأحساء عام 1331هـ ؟! وهل وظف الكاتب مأساة الغواص في بحر الخليج ومعاناته , بل هل للبحر أثر على هذا الأدب بحكم قربه منه جغرافيا ً فأفرز لنا مايسمى « أدبيات البحر « ؟! وهل تدارك الأدب مأساة بعض البقع الجغرافية في الأحساء التي زحفت الرمال عليها وغطتها بالكامل ؟! هل أخذت العيون المائية الغائرة مساحة من كتابات المبدعين والمفكرين ؟! ثـُم تأتي ( القيصرية ) ومأساتها بعد كل هذه الحوادث التي لاأثر عليها للأدب ! وإذا قلنا الأدب فلا يقتصر ذلك على الشعر وحده , وإذا وجدت بعض النصوص والكتابات في أي من الحوادث السابقة فلا يعدو ذلك أنها أصبحت ظاهرة ً لافتة ً في تاريخ الأدب ونصوصه , حتى إنه لو هُـيأ لدارسٍ عمل دراسة عن ذلك لما أسعفته تلك النصوص التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
وإن أنسى فلا أنسى أكبر حدث إقتصادي اجتماعي ثقافي غير مجرى الحياة في المملكة العربية السعودية وفي المجتمع الأحسائي خاصة وهو اكتشاف النفط , والسؤال لايزال مطروحا ً : هل أخذ هذا التغير مساحة من أدب المنطقة وأدبائها ؟!
لقد قلب اكتشاف النفط الحياة في المنطقة نحو الرخاء والبناء والخروج من الأمية إلى العلم والتعلم وانتشرت المدارس والجامعات , وهذا غير مقتصر على الأحساء وحدها بل أغلب بلدان الخليج العربي مرت بهذا التطور لكنها لم تقف عنده إذ وجد الأدب العربي في الخليج موضوعات ذات أهمية كبيرة لأن يتناولها الأديب ويحاور بكل اتجاه وأسلوب .
ولو تأمل أخي القارئ الفن الروائي في الخليج العربي – خاصة – فقد جعل من اكتشاف النفط محورا ً مهما ً وجديرا ً بالطرح والتناول , ووجدت أعمالا لابأس بها جدة ً وعمقا ً , لكن ذلك لم ينسحب على الأدب العربي في الأحساء , وإذا كانت الرواية في الخليج العربي اليوم تخطو مرحلة ً نحو التطور , فالرواية في الأحساء تبحث عن بداية الطريق.
لقد نبه الدكتور عبدالله السبيعي _ في سلسلة دراساته عن تاريخ المملكة العربية السعودية _ إلى عدم إحتفاء سكان المنطقة بالتدوين , ورصد التغيرات الإجتماعية .
أقول : ربما يبرر هذا الأمر أي عدم التدوين ببداية التغير لكن ما بالنا إذا أدركنا أن هذا التغير أخذ مسافة زمنية كبيرة , ولايزال الوعي بالأدب والثقافة كما هو قبل اكتشاف النفط من المستويات البسيطة التي لاتعدو التذوق والاستئناس والإخوانيات والممالحات والوصف !! وتوثيق ذلك على بعض صفحات الصحف التي خرجت إبّان عصر النفط , وإن كان هناك من سبب فلعله من الجهود الفردية في ممارسة الثقافة وانشغال هذه الجهود بأمور أخرى تضعف جانب الأدب والثقافة وشأنهما.
إن من يتأمل الحياة الثقافية , والأدبية إبَّان إرهاصات اكتشاف النفط يجدها مشابهة ً للأزمنة المتأخرة للحضارة الإسلامية أيام المماليك والعثمانيين بل ظلت أنماط تلك العصور متجذرة ً في أدب الفترة النفطية وربما بعدها بقليل وكأن أدب هذه الفترة لم يكن له ذاك التفرد والخصوصية في تلك العصور , ولا يدلك على ذلك إلا التناص الكبير في أساليب الشعر والأدب والمؤلفات والمختصرات والشروحات والمنظومات العلمية .
وإذا كان النفط أثـَّر على المجتمع والاقتصاد وتطورهما فإنه لم يؤدِ إلى تطور في الرؤية الأدبية والفكرية وإنما أوقف مدَّ العصور المتأخرة ليتحول الناس إلى تطور في الحياة لم يكن للمعرفة والأدب منه نصيب , وإذا أراد الأدب العربي في الأحساء أن يدرك أبرز الأسباب التي تجعله في معزل عن متغيرات الحياة فلا بد أن يعي أن الثقافة الشفاهية هي أول تلك الأسباب ؛ بمعنى أنها قيدت المثقف بأغلال الماضي (التليد) لثقافة هذا البلد ولم تشعره بالحاجة إلى الجديد لأن لديها مخزونا ً كبيرا ً من ماضيها فالمجالس والاجتماعات والنـزهات كلها تضج بسيل من الرواية الشفاهية التي تسلي هذا المثقف وتؤنسه في خضم واقعه.
ولذلك نقول بأهمية بل بضرورة تدوين وتوثيق الثقافة الشفاهية من حكايات وأساطير وقصص وأمثال حتى يقف المثقف المعاصر منها موقف الواعي , والموظِف المستوحي لمضامينها في رؤى أدبية وإبداعية جديدة , وإذا كان المثقف قبل خمسين أو مائة سنة قد تعامل مع ثقافته الشفاهية تعاملا ً موفقا ً فلا أظن أن المثقف المعاصر قد تعامل مع ثقافته الكتابية كما ينبغي !! ومن الأسباب كذلك سيطرة الثقافة الشعرية على أذواق ومشارب أكثر المثقفين بل ويظن بعضهم أن الأدب هو الشعر فقط !
إن الأدب العربي في الأحساء إذا أراد أن يستوعب الموضوعات السابقة الذكر فليس للشعر وحده قدرة على استيعاب ذلك , بل لابد للمسرح والرواية والقصة والفن التشكيلي من خوض هذه التجربة , وإذا استطاع هذا الأدب تجاوزها فإنك تحظى بأدب حقيقي ذي وعي ونضج , لا أدب المواهب التي تخرج اليوم وتأفل في الغد.
saldhamer@hotmail.com
أترك لكم حرية القراءة :
وَحْـيُ القيصرية
سمير بن عبدالرحمن الضامر
سنة مضت بل أكثر على الحادث المؤلم الذي هزَّ الأحساء وأهلها , وخلف في النفس جروحا ً لاتندمل وذاك هو حادث احتراق ( القيصرية ) أكبر سوق تاريخي واقتصادي في شرق الجزيرة العربية على مدى مئات السنين .
ليس فيما أقوله شيئا جديدا لكن السؤال : هل كان لحادث ( القيصرية ) أثر على الأدب والثقافة في الأحساء ؟! بمعنى : هل أفرز هذا الحادث نصوصا ً إبداعية وأدبية ً وثقافية ؟
لقد كتب صلاح بن هندي قصيدة ً , ودبَّـج عبدالله الخضير قطعتين أدبيتين , وكتبت ينابيع السبيعي قصيدة نبطية ً في ذلك , ومثلها الشاعرة هتـَّان , وقرأنا بعض المقالات والتحقيقات الصحفية والصور . لكن ليس هذا جوابا ً عن السؤال ! إذ ان الأدب في الأحساء لايقتصر على الأسماء السابق ذكرها , فأين الأسماء العديدة من الأدباء والأديبات ؟! وهل حادث ( القيصرية ) لم يؤثر فيهم فيكتبوا نصوصا ً إبداعية وأدبية ذات قيمة جمالية وفكرية ترصد البعد المأساوي للحادث المؤلم ؟! وماذا نسمي خفوت وندرة الكتابة تلك ؟ وأين يكمن الخلل ؟ هل هو من الكاتب ؟ أم من المجتمع ؟ أم من قلة الأنماط والأساليب الأدبية وعدم استيعابها فكرة الحادث ؟!
وربما يقول أحدهم : إن الحادث لم يأخذ بعدا ً زمنيا ً طويلا ً , ومازالت التجربة تعتمل في دواخل الأدباء والمثقفين ! وأقول ليس هذا تبريراً كافيا ً وليس حادث ( القيصرية ) هو الأول من نوعه في تاريخ الأحساء , بل سبقه العديد من الحوادث ذات الأثر النفسي والاقتصادي والاجتماعي والأمر كما هو من جانب الأدب الذي لايتفاعل مع الحوادث الطارئة على الإنسان والمجتمع , وأمثلة ذلك كثيرة . فهل استوحى الأدب العربي في الأحساء الحقب التاريخية التي مرت بها المنطقة ؛ لاسيما العصر المتأخر لحكم العثمانيين , والفتح المجيد والباهر على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله للأحساء عام 1331هـ ؟! وهل وظف الكاتب مأساة الغواص في بحر الخليج ومعاناته , بل هل للبحر أثر على هذا الأدب بحكم قربه منه جغرافيا ً فأفرز لنا مايسمى « أدبيات البحر « ؟! وهل تدارك الأدب مأساة بعض البقع الجغرافية في الأحساء التي زحفت الرمال عليها وغطتها بالكامل ؟! هل أخذت العيون المائية الغائرة مساحة من كتابات المبدعين والمفكرين ؟! ثـُم تأتي ( القيصرية ) ومأساتها بعد كل هذه الحوادث التي لاأثر عليها للأدب ! وإذا قلنا الأدب فلا يقتصر ذلك على الشعر وحده , وإذا وجدت بعض النصوص والكتابات في أي من الحوادث السابقة فلا يعدو ذلك أنها أصبحت ظاهرة ً لافتة ً في تاريخ الأدب ونصوصه , حتى إنه لو هُـيأ لدارسٍ عمل دراسة عن ذلك لما أسعفته تلك النصوص التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
وإن أنسى فلا أنسى أكبر حدث إقتصادي اجتماعي ثقافي غير مجرى الحياة في المملكة العربية السعودية وفي المجتمع الأحسائي خاصة وهو اكتشاف النفط , والسؤال لايزال مطروحا ً : هل أخذ هذا التغير مساحة من أدب المنطقة وأدبائها ؟!
لقد قلب اكتشاف النفط الحياة في المنطقة نحو الرخاء والبناء والخروج من الأمية إلى العلم والتعلم وانتشرت المدارس والجامعات , وهذا غير مقتصر على الأحساء وحدها بل أغلب بلدان الخليج العربي مرت بهذا التطور لكنها لم تقف عنده إذ وجد الأدب العربي في الخليج موضوعات ذات أهمية كبيرة لأن يتناولها الأديب ويحاور بكل اتجاه وأسلوب .
ولو تأمل أخي القارئ الفن الروائي في الخليج العربي – خاصة – فقد جعل من اكتشاف النفط محورا ً مهما ً وجديرا ً بالطرح والتناول , ووجدت أعمالا لابأس بها جدة ً وعمقا ً , لكن ذلك لم ينسحب على الأدب العربي في الأحساء , وإذا كانت الرواية في الخليج العربي اليوم تخطو مرحلة ً نحو التطور , فالرواية في الأحساء تبحث عن بداية الطريق.
لقد نبه الدكتور عبدالله السبيعي _ في سلسلة دراساته عن تاريخ المملكة العربية السعودية _ إلى عدم إحتفاء سكان المنطقة بالتدوين , ورصد التغيرات الإجتماعية .
أقول : ربما يبرر هذا الأمر أي عدم التدوين ببداية التغير لكن ما بالنا إذا أدركنا أن هذا التغير أخذ مسافة زمنية كبيرة , ولايزال الوعي بالأدب والثقافة كما هو قبل اكتشاف النفط من المستويات البسيطة التي لاتعدو التذوق والاستئناس والإخوانيات والممالحات والوصف !! وتوثيق ذلك على بعض صفحات الصحف التي خرجت إبّان عصر النفط , وإن كان هناك من سبب فلعله من الجهود الفردية في ممارسة الثقافة وانشغال هذه الجهود بأمور أخرى تضعف جانب الأدب والثقافة وشأنهما.
إن من يتأمل الحياة الثقافية , والأدبية إبَّان إرهاصات اكتشاف النفط يجدها مشابهة ً للأزمنة المتأخرة للحضارة الإسلامية أيام المماليك والعثمانيين بل ظلت أنماط تلك العصور متجذرة ً في أدب الفترة النفطية وربما بعدها بقليل وكأن أدب هذه الفترة لم يكن له ذاك التفرد والخصوصية في تلك العصور , ولا يدلك على ذلك إلا التناص الكبير في أساليب الشعر والأدب والمؤلفات والمختصرات والشروحات والمنظومات العلمية .
وإذا كان النفط أثـَّر على المجتمع والاقتصاد وتطورهما فإنه لم يؤدِ إلى تطور في الرؤية الأدبية والفكرية وإنما أوقف مدَّ العصور المتأخرة ليتحول الناس إلى تطور في الحياة لم يكن للمعرفة والأدب منه نصيب , وإذا أراد الأدب العربي في الأحساء أن يدرك أبرز الأسباب التي تجعله في معزل عن متغيرات الحياة فلا بد أن يعي أن الثقافة الشفاهية هي أول تلك الأسباب ؛ بمعنى أنها قيدت المثقف بأغلال الماضي (التليد) لثقافة هذا البلد ولم تشعره بالحاجة إلى الجديد لأن لديها مخزونا ً كبيرا ً من ماضيها فالمجالس والاجتماعات والنـزهات كلها تضج بسيل من الرواية الشفاهية التي تسلي هذا المثقف وتؤنسه في خضم واقعه.
ولذلك نقول بأهمية بل بضرورة تدوين وتوثيق الثقافة الشفاهية من حكايات وأساطير وقصص وأمثال حتى يقف المثقف المعاصر منها موقف الواعي , والموظِف المستوحي لمضامينها في رؤى أدبية وإبداعية جديدة , وإذا كان المثقف قبل خمسين أو مائة سنة قد تعامل مع ثقافته الشفاهية تعاملا ً موفقا ً فلا أظن أن المثقف المعاصر قد تعامل مع ثقافته الكتابية كما ينبغي !! ومن الأسباب كذلك سيطرة الثقافة الشعرية على أذواق ومشارب أكثر المثقفين بل ويظن بعضهم أن الأدب هو الشعر فقط !
إن الأدب العربي في الأحساء إذا أراد أن يستوعب الموضوعات السابقة الذكر فليس للشعر وحده قدرة على استيعاب ذلك , بل لابد للمسرح والرواية والقصة والفن التشكيلي من خوض هذه التجربة , وإذا استطاع هذا الأدب تجاوزها فإنك تحظى بأدب حقيقي ذي وعي ونضج , لا أدب المواهب التي تخرج اليوم وتأفل في الغد.
saldhamer@hotmail.com